الشفاء الروحي - عبد اللطيف البغدادي - الصفحة ٣٦١
التحقيق في القضاء والقدر وعدم الجبر ولا تتوهم بأن معنى: (كل شئ بقضاء وقدر) ان الخلق مجبورون على كل فعل يفعلونه سواء كان خيرا أو شرا وان الحوادث التي يلاقونها في أطوار حياتهم من قتل وجور وظلم قد خلقها الله وفعلها فيهم لأن هذا ينافي العدل والحكمة بل المراد من علاقة القضاء والقدر بالعباد هي من جهة علاقة علمه جل وعلا بما سيكون من أمرهم فكتب على هذا انه سعيد لأنه عالم بسابق علمه الذاتي انه سيتجه - بما خلق فيه من قوة الفعل - إلى فعل الخير فيسعد وكتب على الآخر أنه شقي لأنه عالم بسابق علمه أنه سيتجه - بما خلق فيه من قوة الفعل - إلى فعل الشر فيشقى.
ولتوضيح ذلك كله نقول: ان الله تبارك وتعالى أودع في العبد قوة الفعل أي القدرة على الأعمال كلها خيرها وشرها وبين له في كتابه الكريم بقوله: (ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها ([الشمس / 8 - 9]، وقال تعالى: (وهديناه النجدين ([البلد / 11]، أي بينا له طريقي الخير والشر، وبعد أن منحه قوة الفعل والعمل وبين له الطريقين بعد ذلك ترك له حرية الاختيار، فتكون قوة فعل الخير والشر مخلوقة في الإنسان وهي من فعل الله وقدرته ويكون الاختيار للإنسان فيما يختار أو يريد، ومثال ذلك ان في اليد قوة الحركة وعضو اليد سبب فاعل لها وهذا من خلق الله وقدرته ولكن هل تتحرك اليد للإحسان أو للإساءة، للنفع أو للضرر، للخير أو للشر؟
ان هذا متروك لاختيار العبد نفسه والله عالم بسابق علمه بما سيتجه إليه العباد في أطوار حياتهم وما يلاقونه من رخاء وبلاء وسعادة وشقاء
(٣٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 ... » »»