قوله تذودان أي تحبسان وتمنعان أغنامهما من أن ترد الماء حتى لا تختلط بأغنام القوم، والرعاء جمع راعي وهو الذي يرعى الغنم، والمعنى أنه لما ورد موسى ماء مدين وجد على الماء جماعة من الناس يسقون أغنامهم ووجد بالقرب منهم امرأتين تحبسان أغنامهما وتمنعانها من أن ترد الماء وتشرب منه.
ومن مواضع العبرة والاستشفاء في هذا المقام ان موسى (ع) بعد انتهائه إلى ماء مدين وقد وصل إليه وهو بالطبع مجهود مكدود بسفره الشاق الطويل مشيا على قدميه مسافة ثمانية أيام وقيل خمسة وثلاثين يوما ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر وبقل الأرض، وحينما وصل إلى ذلك المكان رأى مشهدا لا تستريح إليه نفسه ذات المروءة السليمة الفطرة حيث وجد الرعاء من الرجال يوردون أغنامهم لتشرب من الماء ووجد المرأتين تمنعان غنمهما عن ورود الماء في حين كان الأولى عند ذوي المروءة ان تسقي المرأتان أغنامهما أولا وان يفسح الرجال لهما ويعينوهما لا أنهم يقدمون أنفسهم عليهما فهو منظر منكر مخالف للمعروف ولا تستريح له نفسه السليمة، لذلك تقدم بالسؤال من المرأتين يسألهما عن أمرهما الغريب: (ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير (أي أن أبانا لا يقدر أن يتصدى بنفسه أمر السقي لكبره لذا تصدينا نحن لهذا الأمر، وهنا ثارت نخوة موسى (ع) ورق لحال المرأتين ورحمهما فتقدم ليسقي لهما بالرغم من تعبه في سفره الطويل وهو بلا استعداد ولا زاد كما أنه كان مطاردا من أعداء له لا يرحمون ولكن كل هذا لا يقعده عن تلبية دواعي المعروف والنجدة والمروءة ولذلك سقى لهما أغنامهما، وقد ورد