فأي مانع - عندئذ - من أن يحتاط المسلم لدينه ويتخذ معه تربة طاهرة يطمئن بنقائها وطهارتها يسجد عليها في صلاته متوخيا الحيطة ومحترزا من السجود على الأرجاس والنجاسات التي لا تسوغ السنة الشريفة السجود عليها ولا تقبله الفطرة السليمة لا سيما وإن أوامر الشرع الحنيف تؤكد على الاهتمام بطهارة أعضاء المصلي ولباسه وتنهى عن الصلاة في أماكن معينة لمظنة اختلاطها بالنجاسات منها: المزابل والمجازر والمقابر وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل وكذلك الأمر بضرورة تطهير المساجد وتطييبها.
ووفق هذه النظرة الصائبة جرى بعض فقهاء السلف الورعين والمحتاطين لدينهم من أهل القرون الأولى وحسبك أن التابعي الفقيه الكبير المتفق على جلالته مسروق بن الأجدع كان يأخذ في أسفاره لبنة (أي حجرا) يسجد عليها كما أخرجه عنه إمام السنة الحافظ الثقة في زمانه أبو بكر بن أبي شبة في (مصنفه) في المجلد الثاني باب: من كان يحمل في السفينة شيئا يسجد عليه فأخرج بإسنادين: " أن مسروقا كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها ".
هذا في ما يتعلق بالسجود على الأرض مباشرة من حيث أصل الوجوب وأخذ الحيطة بحمل تربة طاهرة.
أما في ما يتعلق باستحباب السجود على تربة كربلاء فإن قاعدة التفضيل المطردة في هذه الحياة تدل عليه وتؤكده فضلا عن ورود بعض الأحاديث التي تعضده.
فلا شك أن الله - سبحانه - قد اصطفى مكة وانتجبها من بين الأماكن وجعلها مقرا لبيته الحرام الذي أوجب على الناس الحج إليه والطواف حوله وخصها بميزات معينة بوصفها حرما آمنا لا يجوز انتهاكه وما يرتبط من ذلك بشجرها ونبتها ومن نزل بها وكذلك اختار المدينة المنورة وجعلها حرما إلهيا - أيضا - يجب تعظيمه وعدم تجاوزه. وما ورد في السنة الشريفة في