وقد قالوا إن المصالح المعقولة من الممكن أن تكون أسبابا للعبادات المفروضة حتى يكون الشرع قد توخى فيها غايتين: إحداهما مصلحية والأخرى عبادية وأرادوا بالغاية المصلحية: الجانب الذي يتعلق بالأمور المحسوسة الظاهرة وبالغاية العبادية: الجانب الذي يتعلق بزكاة النفس وتطهيرها من الداخل.
والجواب عن ذلك: أن الشارع الحكيم قد لاحظ عباده وتوخى رشدهم في كل ما كلفهم به من أحكام الشريعة فلم يأمرهم إلا بما فيه مصلحتهم ولم ينههم إلا عما فيه مفسدة لهم لكنه - مع ذلك - لم يجعل تقرير المصلحة المتوخاة من وراء تلك الأحكام مرتبطا بآراء العباد وما تصل إليه أفكارهم بل تعبدهم بأدلة حكيمة قويمة قد انبثقت من منابع صافية عينها لهم فلم يترك لهم مجالا للعدول عنها إلى ما سواها.
وأول تلك الأدلة الحكيمة كتاب الله جل وعلا إذ هو المصدر الأول للتشريع المقدم على كل شئ وقد حكم بوجوب مسح الرؤوس والأرجل في الوضوء فلا محيص عن الإذعان لحكمه والتسليم لأمره.
أما نقاء الأرجل وخلوها من الدنس والقذر فلا بد من تحققه والتيقن منه قبل المسح عليها بأدلة خاصة قد أكدت على اشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء قبل الشروع فيه (1) ولعل غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجليه الذي وردت به الأخبار إنما كان من هذه الناحية ولعله كان من باب التبرد أو كان تمهيدا لأعمال الوضوء أو بعد الانتهاء منها ولذلك عندما رآه بعضهم ظن أن ذلك هو المفروض في الوضوء أو كان من باب المبالغة في النظافة بعد الفراغ من الوضوء والله - تعالى - أعلم.