على نفسي. ثم لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقته وخرت مغشيا عليها، فقام إليها الحسين فصب على وجهها الماء، وقال لها: يا أختاه اتق الله وتعزي بعزاء الله واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون وأن كل شئ هالك إلا وجه الله الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعيدهم وهو فرد وحده. جدي خير مني وأبي خير مني وأمي خير مني وأخي خير مني، ولكل مسلم برسول الله أسوة حسنة، يا أختي إني أقسمت عليك فأبري قسمي لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت، ثم جاء بها حتى أجلسها عند علي بن الحسين ثم خرج إلى أصحابه " (1).
ما أروع هذه البلاغات الحسينية التي تلين الحديد، ولكن القوم قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة، (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله) (البقرة / 74). وربما سأل سائل: لماذا خاطب الحسين القوم؟، هل كانت به رغبته في الرجوع أو النجاة فاحتاج أن يقنعهم ليبقوا عليه؟، الإجابة يدركها الذين وعوا دور حملة الرسالات السماوية من الأنبياء والأئمة عليه السلام. فهذا نوح عليه السلام يقول: (قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي إلا فرارا * ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا) (نوح / 5 - 9). فها هو نبي الله نوح عليه السلام يلح على قومه داعيا ليلا ونهارا وسرا وجهارا، والقوم لا يزدادون إلا عتوا واستكبارا، وهاهو