يتعجب مما أقول فلم يكن سمع بذلك طول عمره ولا واتته الفرصة أن يسمع.
وهكذا استمر بي الحال حتى دخلت إلى مرحلة التعليم الثانوي، حيث بدأنا ندرس فيها التاريخ الإسلامي منذ عصر ما قبل الإسلام إلى الفتنة الكبرى كما يقولون.
الصدمة:
كنت أدرس في الصف مادة التاريخ، وكان عندنا أستاذ يتبنى الفكر القومي، ولما مررنا على معركة صفين ابتسم الأستاذ وقال: " فاقترح الداهية عمرو بن العاص فكرة رفع المصاحف حتى يخدعوا جيش علي وينجوا من الهزيمة المنكرة التي بدأت تلوح لهم ".
صعقني جدا هذا الكلام، فقلت في نفسي أعمرو بن العاص يفعل هذا؟ هذا الصحابي الجليل - الذي عرفناه من أقتاب الصحابة كما قال لنا شيوخنا - يخدع ويمكر؟! إذا أين تقوى الصحابة وإخلاصهم الذي دمغجنا به شيوخنا؟! شعرت حينها بتمزق نفسي شديد بين ثقافتي الإسلامية التي تقدم كل الصحابة وترفعهم إلى صفوف الملائكة وبين حقائق التاريخ إن كانت حقة؟!
رجعت إلى البيت مغموما وسألت أخي عن المسألة فقال لي: إن هذا ليس من شأننا فلا تخض فيه وهم - أي الصحابة - أدرى بزمانهم و....
لم يقنعني هذا الكلام البارد الفارغ من كل معنى، وهل يمكن أن يمارس المؤمن العادي الخداع والمكر؟! فكيف بالصحابة؟!
وتمضي السنوات وتبقى في نفسي أشياء وأشياء، لكني لما لم أصل إلى الجواب قفلت عليها في صدري وألقيت حبلها على غاربها ومضيت...