يذكر في ذيل قائمة الرسل مقترنا بهذا اللقب الذميم.
وحرص كتاب البشائر على تمييزه عن يهوذا الآخر، باسم " الذي أسلمه " (مر 3: 19 ولو 6: 16)، أو " يهوذا سمعان "، (يو 13: 2) أما يهوذا الآخر فيسمى " يهوذا ليس الإسخريوطي " (يو 14: 22). وقد لبى نداء المسيح، فقد تبعه أسوة بالآخرين، واستمر سائرا معه بعد ما تركه الآخرون ولم يعودوا يتبعونه.
وخصه يسوع ليكون " أمينا للصندوق " ولكن بدلا من أن يجعله انتخاب يسوع له لهذا العمل، يتغلب على الطمع والأنانية فيه، فقد نبه أنانيته وطمعه وصار سارقا يبتز ما بقي في الصندوق الذي عهد به إليه (يو 12: 6 و 13: 29). وانتقاده لمريم عندما دهنت قدمي يسوع بالطيب في بيت عنيا (يو 12: 1 - 8).
كان دليلا قاطعا على مصانعته وريائه.
غير أن طمع يهوذا، وإن كان الباعث الأقوى لخيانته، لكنه لم يكن الحافز الوحيد. لو كان الأمر كذلك، لما اكتفى يهوذا بثلاثين من الفضة وهو مبلغ زهيد، وثمن عبد في تلكم الأيام، بل لانتهز الفرصة المناسبة لغنم مبلغ أضخم، ولكان أجدى له أن يبقى أمينا للصندوق، يختلس منه ما تيسر.
والحقيقة أن شهوات أخرى كانت تتأجج نيرانها في صدره، فقد ظن القوم أن يسوع جاء ليقيم دعائم ملك سياسي، أرضي، فطمع، كما طمع يعقوب ويوحنا إلى منصب رفيع في هذا الملك، فخاب أمله، وطاش سهمه وأحس نفسه في مرتبة وضيعة ولم يبلغ حتى مكانة الثلاثة المفضلين من زملائه. فتمتلئ نفسه غيرة وهو يرى بطرس ويعقوب ويوحنا الجليليين يفضلون عليه ويؤخذون قبله في بيت يايروس، وعلى جبل التجلي.
ومع مرور الزمن يرى أن ملكوت المسيح الذي عقد عليه الآمال الكبار أصبح أمرا مشكوكا فيه، وإلا لماذا أضاع يسوع الفرصة التي كان يمكنه فيها أن يظهر زعيما عظيما وملكا قديرا (يو 6: 15). فيعرض عنه وينفر منه، وتستحيل النفرة إلى عداء. ولكن حب المال والظهور والسيطرة لا يعلل خيانة يهوذا تعليلا كافيا مقنعا. وليس من شك بأن حب المال والسلطان كانا عاملين قويين من العوامل التي حدت بيهوذا للسير في طريق خاطئ، رفض يسوع بشمم وإباء، أن يسلك فيه (مت 4: 1 الخ). ولهذا فقد اتفق البشيرون على تعليل واحد لمسلك يهوذا البشع: " دخله الشيطان "، (لو 22: 3 ويو 13: 27). ويؤيد هذا ما قاله يسوع " واحد منكم شيطان " (يو 6: 70 (71). إننا نرى من قصة يهوذا أن الله لا يكره أحدا على قبول الخلاص، وأن من يقاوم يسوع يصبح فريسة في قبضة الشيطان. وليست هناك إمكانية ثالثة أو منطقة محايدة، والانتحار هو السبيل الوحيد لمن فقد إيمانه، وأخذ اليأس بتلابيبه. وعندما بانت ليهوذا فعلته الشنعاء مضى وخنق نفسه (مت 27: 5). لقد عرف أنه ضل الطريق، ولكنه لم يجد طريق التوبة (مت 27:
3). ولسنا نجد وصفا لنهاية يهوذا أصدق من القول الذي جاء في اع 1: 20 و 25. فقد حزن بطرس بسبب نكرانه وخيانته لسيده، ولكن حزنه كان إلهيا خلص به، لأنه قاده إلى توبة حقيقية. وأما حزن يهوذا فكان دنيويا، كان مجرد أسف لم يصحبه أي شعور بالندامة، ولهذا هوى به إلى أسفل الدركات.
ويتفق ما جاء في مت 27: 5 بأن الدينونة التي نزلت بيهوذا كانت ثمنا للوثة الكريهة. والحقل الذي اشتري