الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٤٢٨
بثلاثة من أهم الأمور للحياة الراقية السعيدة: أولها التأمل والتفكير في خلقة الكائنات " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، وهذه هي فلسفة التأمل والملاحظة أو التربية التجريبية، وثانيها هو العلم المسطور بالقلم " اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم "، وثالثها مراعاة الروابط الإنسانية " خلق الإنسان من علق "، ولم يبدأ ببيان عقائدها أو بتقرير مراسم عباداتها، وذلك لأن الشخصية الإنسانية لا يتم صلاحها بمجرد تلقين عقائد دينية، ولا القيام بفروض تعبدية (1)!
(ب) فالقرآن من بدايته قرر اعتماد الدين الإسلامي على العقل الإنساني، ووجهه إلى دراسة الكائنات بتأمل وحرية فكر، والإقبال على العلوم وطلب المزيد منها، فلا يكتفي الإسلام أن يضمك إلى صفوفه عن طريق الوراثة، وإن كان قلبك قد تشرب بحب الدين، بينما ذهنك خال من فهم معانيه وأغراضه وإدراك فلسفته الإلهية التي تنساق في كل ثقافته وآدابه وأحكامه، بل يطلب منك أن تعنى بتربية نفسك تربية علمية وعملية، وأن تغذي عقلك وتنميه بالمبادئ الصحيحة، والمشاهدات التجريبية بصفاء ذهن وحرية فكر " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، ويريدك أن تكون واسع الاطلاع، ملما بأقصى ما يستطاع " اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم "، وكان لذلك أثره الكبير في تكوين العقل الإسلامي والعقيدة الإسلامية، فجعل في ميدان الحنيفية السمحة متسعا لحرية الأفكار واختلاف الأنظار، بخلاف الأديان الأخرى، فقد حجر أصحابها على حرية التفكير في المعتقدات، وحرموا المناقشة فيها فصدوا أنفسهم والناس عن كل تفكير عقلي حر، واعتبروا أن ما وجدوا عليه آباءهم أسرارا وأمورا لاهوتية وأمور فوق طاقة البشر إدراكها " أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا، ولا يهتدون " ولم يكن يجرؤ عالم أو مفكر على أداء رسالته، حتى لقد جعلوا لرؤساء الكنيسة سلطانا على الحياة الأخرى، فكانوا

(١) راجع ص ١٥ - ٢٠ من وحي الآيات الأولى في تنزيل القرآن ج 1 للمرحوم الأستاذ أحمد نجيب برادة.
(٤٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 ... » »»