والقراءة في كتاب الكون هداية للحواس والعقل معا، فيها تدريب النفوس على النظر والتأمل، وبها تتربى قوة الانتباه والملاحظة، فتفتق الذهن وتوسع العقل وتهدي إلى معرفة الشئ على حقيقته، والانتفاع بكل شئ بما خصص له " وفي الأرض آيات للموقنين "، فقول الله تعالى للإنسان " اقرأ "، وكل به سبحانه معرفة الإنسان للحقائق الكونية ولحقيقة نفسه إلى بحثه وجده، وجعلها من الأمور الكسبية، ليتسع بالبحث فيها فكره، ويكبر عقله، يزداد رقيه " سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم "، وإنما تفصح الطبيعة عن مضمونها وتظهر مكنونها كما يقول المرحوم الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني: " لمن تعرف القدرة على فهمها "!
وإن للطبيعة فضلا على الإنسان كما يقول الكاتب الإنجليزي " وردث ورث " " إذ لا تزال تسري به من لذة إلى لذة، ومن متعة إلى متعة، وإنها لقديرة أن تملأ بالعلم قلوبنا، وبالروح صدورنا، وبالخواطر العذبة نفوسنا، وتبعث في أرواحنا من أسباب اليقين، وتغرس في أفئدتنا من بذور الإيمان، ما هو جدير أن يرينا مناقم الحياة بعين الرضا، وخليق أن يجعلنا نغض أبصارنا عن مساوئ الدنيا، ونغمض أجفاننا عن أقذائها، فيعذب لنا من مشارب العيش ما ملح، ويحلو لنا من مراتع الحياة ما كان مرا، ولا يدع في صدورنا محض اليقين وخالص الرضا، موضعا للتألم من شتم شاتم أو حسد حاسد أو غدر غادر، وسائر سيئات هذا العالم ومنغصاته "، وحسب السماء والأرض كما يقول كنجزلي " ما إن يزالان يمتعان طرفي ويبهجان صدري بكل طرفة من الجمال وأعجوبة، فحبذا تلك التلاع أطرقها وحيدا، ومع هذا فلا تجد الوحدة إلى نفسي سبيلا، ولا تصيب الوحشة إلى قلبي دليلا، وأين مني الوحدة، وأنا لي في كل ورقة بذلك الأيك صديق، وبكل زهرة في ذلك النبت رفيق، وفي كل نخلة ترشف ثغور الريحان زميل، وكل عصفورة تعتلي متون الأغصان خليل "!
فالعالم كما يقول المرحوم الأستاذ أحمد أمين " مغمور بالجمال في صغيره وكبيره، ورقيقه وجليله، في السماء والأرض، في النجوم بضيائها ولمعانها، في