السحاب المسخر بين السماء والأرض، في عظمة البحار، في جلال الجبال، في شروق الشمس وغروبها، في الطير يطير في السماء، في السمك يغوص في الماء، في الحركة والسكون، في الأشكال والألوان الطبيعية جميلة في كل جزء من أجزائها، وأجمل من أجزائها جمال كلها "!
فمفهوم كلمة " اقرأ " هو الجمع بين النظر والفكر، فهي أحسن لفظ يؤدي أيضا المعنى الاصطلاحي المقصود منه، ولذلك كانت خير كلمة لبداية الآيات، وذلك لما تؤديه من كلا المعنيين في كل من الآيتين، لذا قال العلامة فخر الدين الرازي " إن " اقرأ " الأولى " لذات النبي عليه السلام "، و " اقرأ " الثانية " للتبليغ " أو أن الأولى للتعلم والثانية للتعليم، وعلى هذا فالقراءة التي أوحى بها الله سبحانه وتعالى، تجمع بين النظر الحسي والنظر العقلي، على أن هناك معنى آخر، وهو أنه تعالى أراد أيضا ب " اقرأ " جمع آياته في الخلق، في صحائف الذهن، ليكون لها أثرها من اتساع الفكر وكمال العقل (1)!
(د) قوله تعالى " اقرأ باسم ربك " أمر للإنسان أن يجرد من نفسه نفسا لربها، تقرأ باسمه تعالى، متحلية بالتربية، راغبة في المعرفة، تتأمل في خلقه وتتدبر، وهذه هي هداية القرآن، تجريد النفس مما ورثته من العقائد والآراء، ثم القيام بالملاحظة والتجربة والموازنة والاستنباط بنفسه، ويقول بعض اللغويين إن الاسم مشتق من السمو، فقرائتك باسم ربك، تجعلك تتمثل في نفسك سمو الرب على المربوب، فيكون هذا حافزا لك في تأملك وتدبرك وسعيك في الوقوف على نواميس الكون وخواص الكائنات، وإذا كان معناه الحال، أي اقرأ مفتتحا باسم ربك، فإن الله تعالى أدب به نبيه الكريم بتعليمه بتقديم ذكر اسمه تعالى أمام أفعاله وأقواله، أي قال " باسم الله " ثم اقرأ "، ويقول فخر الدين الرازي إن " اقرأ باسم ربك " أي استعن باسم ربك، واتخذ الاسم آلة لتحصيل هذا الذي عسر عليك، أو معناه اجعل هذا الفعل لله وافعله لأجله، وإنك إذ تقرأ باسم ربك، فإنما تقرأ بروح منه