تجد أنه تعالى أطلق لفظة " علق " غير معرفة وبغير قيد أو وصف، فالآية تفيد أيضا فوق أن الإنسان خلق من جرثومة، أن الله تعالى أوجد الإنسانية من علاقات الإنسان المنوعة، ثم إن العلق والارتباط إذا لم يتحدد، يكون هو ما بين الناس كافة بعضهم لبعض، وهو المعروف بالتضامن الاجتماعي، وما بين الناس وخالقهم وهو الاعتقاد به والعبادة له، وما بين الإنسان وسائر المخلوقات وهو عبارة عن حاجته للأشياء ورغبته فيها لمقتضيات عيشه، وهي العامل الاقتصادي أو الدافع المادي الذي جعل الإنسان علقا بالمادة يحيا بها وتحيا به! فالله تعالى قد بين أن حياة الإنسانية حياة صحيحة سعيدة، إنما تبنى على ترابط اجتماعي وثيق العرى، وقد حقق الإسلام هذا الإخاء الاجتماعي بقوله تعالى: " إنما المؤمنون إخوة ".
وقد كشف الزمان اللثام عما لم يكن ظاهرا، بتقدم العلوم ودراسة الطبيعة والاجتماع والسياسة والاقتصاد والشرائع وغيرها، حتى صار لكل منها علم خاص به كعلوم النفس وعلم الحياة وعلم الاجتماع وعلم الأجناس وغيره، وقد أفادت جميعها أن الإنسانية عبارة عن علاقات وروابط بين كل الناس أفرادا وشعوبا، وبين الإنسان والكائنات الأخرى، وأن الإنسانية ليست إنسانية إلا بهذه العلاقات، وأنه كذلك يوجد ارتباط بين جسم الإنسان وعقله وروحه، وأن علاقة الإنسان بخالقه تعالى مظهرها العقيدة به والعبادة له، وأن آيات العلم قد جاءت لتقويم الشخصية الإنسانية، وأن الله تعالى لم يجعل للعلم حدا ينتهي إليه، وأنه كلما وصل الإنسان إلى علم شئ، علمه الله ما بعده ما لم يعلم " اقرأ وربك الأكرم (1) "!
(8) وبعد: فقد حدثتك في هذا الكتاب عن إنجيل برنابا وأوقفتك على روحانيته وعنيت عند الحديث عن فصل المسيح عبد الله ورسوله، أن أقدم له بتمجيد الله، وأنهي التقديم بذكر الموت، لأنبه إلى أن الرسل لم يأتوا إلا لتعريف