الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ١١
لا باستفادة، لا تصحبه الأوقات ولا ترفده الأدوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر، عرف ألا مشعر له، وبمضادته بين الأمور عرف ألا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء، عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة والوضوح بالبهمة والجمود بالبلل والحرور بالصرد، مؤلف بين متعادياتها، مقارن بين متبايناتها، مقرب بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها، لا يشمل بحد ولا يحسب بعد، وإنما تحد الأدوات أنفسها وتسير إلى نظائرها، بها تجلى صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظر العيون لا يجري عليه السكون والحركة، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، ويعود فيه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه؟! إذا، لتفاوتت ذاته ولتجزأ كنهه ولامتنع من الأزل معناه، ولكان له وراء إذا وجد له أمام، ولالتمس التمام إذا لزمه النقصان، وإذا لقامت آية المصنوع فيه ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه، وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره، الذي لا يحول ولا يزول ولا يجوز عليه الأفول! ولم يلد فيكون مولودا، ولم يولد، فيصير محدودا، جل عن اتخاذ الأبناء وطهر عن ملامسة النساء، لا تناله الأوهام فتقدره ولا تتوهمه الفطن فتصوره، ولا تدركه الحواس فتحسه، ولا تلمسه الأيدي فتمسه، ولا يتغير بحال ولا يتبدل بالأحوال ولا تبليه الليالي والأيام، ولا يغيره الضياء والظلام، ولا يوصف بشئ من الأجزاء ولا بالجوارح والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض، ولا بالغيرية والأبعاض ولا يقال له حد ولا نهاية ولا انقطاع ولا غاية، ولا أن الأشياء تحويه، فتقله أو تهويه أو أن شيئا يحمله فيميله أو يعدله، وليس في الأشياء بوالج، ولا عنها بخارج، يخبر لا بلسان ولهوات، ويسمع لا بخروق وأدوات، يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر، يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة، يقول لمن أراد كونه كن فيكون، لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه، أنشأه ومثله، لم يكن من قبل ذلك، ولو كان قديما، لكان إلها ثانيا!
" لا يقال كان بعد أن لم يكن، فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يكون
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»