الحقيقة الدينية والأخلاق، وأخيرا بالجد في الأعمال التي تؤدي إلى غلبة قوى الحياة على قوى الموت، وبالمساعي المؤدية إلى الحضارة، وخاصة زرع الأرض، يقف في صف روح الخير " الفكر الطيب، القول الطيب، والعمل الطيب " وهي الأسس الثلاثة التي تنطوي عليها مبادئ الأخلاق عند زردشت! والجزاء هو الجنة والعافية والخلود في مساكن العليين، بينما العذاب الطويل في " نادي الكذب " سيكون عقاب الأشرار، ولكن بجانب المحاكمة التي يقتضيها الفرد بعد موته مباشرة، نجد في كاتات الأوستا وهي العظات المنظومة، التي تحوي أو تعبر عن وعظ زردشت إشارات إلى حساب عالمي عال، يجريه الروح والنار، روح مزدا وبلاء النار، بلاء المعدن المذاب في آخر الزمان، حين تنتهي المعركة الأخيرة بين قوى الروحين الخير والشر بانتصار مزدا!
(ب) وقد أتاح اختلاف الشعوب والأجناس، أرضا صالحة لمزج المدنيات والديانات، وقد رأينا أن الفلسفة الإغريقية قد توحدت مع الأديان الشرقية، ونتج عن ذلك تشابك كثير ومتنوع، فالديانات الغامضة - ديانات شعوب آسيا الصغرى - قد أدخلت هناك عنصرا جديدا، والآراء الفلسفية اليونانية، قد سرت إلى هذا المزيج، الذي أضيفت إليه نظريات كيماوية وسحرية والأمور المعنوية والقوى الطبيعية - التي كانت تعد آلهة - قد ظهرت في أسماء إغريقية!
وفي القرن الثاني الميلادي تطورت فكرة الجنوستيكية في الإمبراطورية الرومانية والعقائد المتعلقة بمعرفة الله! فأخذ أهل المذهب يبحثون عن أسانيد لنظرياتهم في الكتابات المسيحية المقدسة!
وهناك فرق عظيم بين الثنائية عند المزديين والثنائية عند الجنوستيكيين.
ففي المزدية كل من العالمين روحي ومادي في الوقت نفسه، أما الجنوستيك ففي عكس ذلك تقرن دنيا النور بالروح ودنيا الظلمات بالمادة!