قال السيد العلامة أحمد الطحطاوي في حاشية الدر ما نصه قال كثير من المفسرين إن المراد من الذين فرقوا دينهم أهل البدع والشبهات من هذه الأمة وروى عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله تعالى عنها إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا أصحاب البدع وأصحاب الأهواء من هذه الأمة قال تعالى وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم أي الطرق المختلفة التي هي ما عدا طريقة مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل والأهواء والبدع فتقعوا في الضلالة وقال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا قال بعض المفسرين المراد من حبل الله الجماعة لأنه عقبه بقوله ولا تفرقوا والمراد من الجماعة عند أهل العلم أهل الفقه والعلم ومن فارقهم قدر شبر وقع في الضلالة وخرج عن نصرة الله تعالى ودخل في النار لأن أهل الفقه والعلم هم المهتدون المتمسكون بسنة محمد عليه الصلاة والسلام وسنة الخلفاء الراشدين بعده ومن شذ عن جمهور أهل الفقه والعلم والسواد الأعظم فقد شذ فيما يدخله في النار فعليكم معاشر المؤمنين باتباع الفرقة الناجية المسماة بأهل السنة والجماعة فإن نصرة الله وحفظه وتوفيقه في موافقتهم وخذلانه وسخطه ومقته في مخالفتهم وهذه الطائفة الناجية قد اجتمعت اليوم في مذاهب أربعة وهم الحنفيون والمالكيون والشافعيون والحنبليون رحمهم الله ومن كان خارجا عن هذه الأربعة في هذا الزمان فهو من أهل البدعة والنار ا ه قال فإن قلت ما وقوفك على أنك على صراط مستقيم وكل واحد من هذه الفرق يدعي أنه عليه قلت ليس ذلك بالادعاء والتشبث باستعمالهم الوهم القاصر والقول الزاعم بل بالنقل عن جهابذة هذه الصنعة وعلماء أهل الحديث الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته وأحوال الصحابة والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان مثل الإمام البخاري ومسلم وغيرهما من الثقات المشهورين الذين اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما أوردوه في كتبهم من أمور النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم ثم بعد النقل بنظر إلى الذي تمسك بهديهم واقتفى أثرهم واهتدى بسيرهم في الأصول والفروع فيحكم بأنه من الذين هم هم وهذا هو الفارق بين الحق والباطل والمميز بين من هو على صراط مستقيم وبين من هو على السبيل الذي على يمينه وشماله قال واختلف العلماء من السلف والخلف في تكفير أهل الأهواء والبدع ولا شك أن من كان مذهبه وبدعته مؤديا إلى الكفر وهو غير متأول فيه فهو كافر الإجماع وأما من كان منهم في مذهبه وبدعته على طريق التأويل والاجتهاد والخطأ المفضي إلى الهوى والبدعة من تشبيه أو نعت بجارحة أو نفي صفات كمال مما لا يليق به سبحانه وتعالى اختلف السلف والخلف في تكفيره فقال بعضهم أهل الأهواء كلهم كفار وهذا قول كثير من السلف والفقهاء والمتكلمين من الخلف ومنهم من صوب التكفير الذي قالوا به ومنهم من أبى إخراجهم من سواد المسلمين وهو أكثر الفقهاء والمتكلمين فقالوا هم فساق عصاة ضلال ويورثهم من المسلمين ويحكم لهم بأحكامهم قال ابن الهمام في شرح الهداية نعم يقع في كلام أهل المذاهب تكفير كثير منهم ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم ولا عبرة بغير الفقهاء والمنقول عن المجتهدين عدم تكفيرهم ا ه وأما قوله عليه الصلاة والسلام (ابني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي) يعني أمة الإجابة المؤمنين به صلى الله عليه وسلم (على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة وهي ما أنا عليه وأصحابي) قال التور بشتى في شرح المصابيح المراد من الأمة هنا من يجمعهم دائرة الدعوة من أهل القبلة لأنه أضافهم إلى نفسه فقال أمتي وأكثر ما ورد من الحديث على هذا الأسلوب المراد منه أهل القبلة والمعنى أنهم تفرقوا فرقا تتدين كل واحدة منها بخلاف ما تتدين به الأخرى وقوله كلهم في النار إلا واحدة يعني كلهم يفعلون ويعتقدون ما هو موجب دخول النار فإن كان كفرا وماتوا عليه دخلوا النار لا يخرجون منها أبدا وإن لم يكن كفرا فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنهم وإن شاء عذبهم ثم يخرجهم من النار ويدخلهم الجنة واستشكل ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام كلهم في النار بأنه إن أريد التأييد فيها لا يصح لأن من مات من أهل البدع على الإيمان فلا بد من دخول الجنة وإن أريد أن دخولهم محتم وإن كانوا يخرجون لا يصح لأن المؤمن العاصي في مشيئة الله تعالى وإن أريد أنهم مستحقون لدخولها وهم في المشيئة فعصاة أهل السنة كذلك فما وجه التخصيص وأجيب بأن التخصيص لشدة مؤاخذتهم بالعذاب فإن عذابهم في النار يكون أشد عذابا من عصاة الفرقة الناجية لسوء اعتقادهم في طريقة نبيهم وبأن الكل مجموعي لا جميعي أي مجموع هذه الفرق في النار ومجموع هذه الفرقة في الجنة ولا يلزم أن يكون كل الفرق في النار ولا كل الفرقة في الجنة من غير سابقة عذاب
(مقدمة ٢)