المنتخب من كتب ابن تيمية - الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف - الصفحة ٣٥٠
لقبره المشروعة بالإجماع؛ فالمعنى المجمع عليه حق، ولكن تسمية ذلك زيارة لقبره هو محل النزاع.
وكذلك تنازعوا: هل يستقبل الحجرة أو يستقبل القبلة؟ كما ذكر في موضعه؛ فإنا مأمورون بالصلاة والسلام عليه وسؤال الوسيلة له في كل مكان، وذلك يحصل به أعظم من مقصود الزيارة لقبره لو كانت ممكنة مع أنها مظنة اتخاذ قبره مسجدا وعيدا، ولما كانت مظنة اتخاذ قبره عيدا ومسجدا؛ حجب قبره عن الناس، ومنعوا من هذه الزيارة، فما بقي يمكن أن يتخذ قبره لا مسجدا ولا وثنا ولا عيدا، فلما كان الخير الذي يقصد بزيارة القبور والمصلحة يحصل بالصلاة والسلام عليه وطلب الوسيلة له في أي مكان أفضل مما يحصل عند القبور؛ لم يكن في الزيارة فائدة تخص بها، وفيها مفسدة، وهو كونها ذريعة إلى الشرك، فلهذا فرق بينه وبين غيره، كما نهي عن اتخاذ القبور مساجد وعن اتخاذ قبره عيدا، مع أن المساجد يعبد الله فيها، لكن إذا كانت على القبور كانت مظنة الشرك.
والصلاة والسلام عليه عند قبره حسن، لكن لو تمكن الناس من ذلك اتخذوه عيدا، وصاروا ينتابونه بجماعتهم في أوقات كالأعياد، وأفضى ذلك إلى الشرك؛ فلهذا نهي عنه، ولما نهي عنه منع أصحابه الناس من ذلك، فما بقي أحد يمكنه أن يزور قبره كما تزار سائر القبور، وإنما يمكن دخول مسجده، وهذا هو الذي يعنيه الناس بزيارة قبره، وهي تسمية غير مطابقة، وهذا من أحسن ما يعلل به كراهة من كره أن يقال: زرت قبره؛ فإن الزيارة المعروفة للقبور هي في قبره مما ليس بمقدور ولا مأمور، بل قد فرق الله بين قبره وبين سائر القبور من جهة المأمور به ومن جهة المنهي عنه، فقبره عنده مسجده المؤسس على التقوى، الذي شرع للناس السفر إليه، وغيره ليس عند قبره مسجد يسافر إليه، بل قد يكون عنده مسجد ينهى عنه، وأما النهي؛
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»