المنتخب من كتب ابن تيمية - الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف - الصفحة ٣٣٩
فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء، ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رئاء الناس.
(الثاني): لأن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة، وقد قال رسول الله (ص): «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أن أشق بطونهم» (1)، وقد قال عمر بن الخطاب: من أظهر لنا خيرا أحببناه، وواليناه عليه وإن كانت سريرته بخلاف ذلك، ومن أظهر لنا شرا أبغضناه عليه، وإن زعم أن سريرته صالحة.
(الثالث): إن تسويغ مثل هذا يفضي إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من يظهر أمرا مشروعا مسنونا، قالوا: هذا مراء، فيترك أهل الصدق والإخلاص إظهار الأمور المشروعة، حذرا من لمزهم وذمهم، فيتعطل الخير، ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون الشر، ولا أحد ينكر عليهم، وهذا من أعظم المفاسد.
(الرابع): إن مثل هذا من شعائر المنافقين، وهو يطعن على من يظهر الأعمال المشروعة، قال الله تعالى: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم} (2). فإن النبي (ص) لما حض على الإنفاق عام تبوك جاء بعض الصحابة بصرة كادت يده تعجز من حملها، فقالوا: هذا مراء،

(١) رواه البخاري في (المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد لليمن، رقم ٤٣٥١)، ومسلم في (الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، رقم ١٠٦٤) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) التوبة: ٧٩.
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»