المنتخب من كتب ابن تيمية - الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف - الصفحة ٣٤٩
حيثما كنتم؛ فإن صلاتكم تبلغني» (1)؛ فكذا زيارة قبر غيره من عموم المؤمنين للسلام عليه والدعاء له لا يفضي إلى أن يتخذ قبره مسجدا وعيدا ووثنا، وأما هو (؛ فقد دفن في بيته لئلا يتخذ قبره مسجدا، ومقصود الزيارة في حق غيره إنما هو السلام عليه والدعاء له، كالصلاة على جنازته، والرسول (ص) قد أمرنا أن نسلم عليه في صلاتنا ونصلي عليه، وصلاتنا وسلامنا يصل إليه حيث كنا، وهذا لم نؤمر به في حق غيره على الخصوص، فغيره إذا زرنا قبره قد يحصل له من دعائنا له ما لا يحصل بدون ذلك من غير مفسدة فيه، كالصلاة على جنازته، وأما هو (؛ فلا يحصل له بزيارتنا فائدة، بل ولا تمكن زيارة قبره؛ فإنه دفن في بيته، وحجب قبره عن الناس، وحيل بين الزائر وبين قبره؛ فلا يستطيع أحد أن يزور قبره كما تزار سائر القبور، وإنما يمكن الوصول إلى مسجده، ومسجده مبني قبل القبر، والعبادة فيه عبادة لله في بيته، ليس ذلك زيارة للقبر، ولهذا لم ينقل عن أحد من السلف أنه تكلم بزيارة قبره، فإن ذلك غير ممكن، ولهذا كرهها من كرهها؛ لأن مسماها باطل، وإنما الممكن الصلاة والسلام عليه في مسجده، وذلك مشروع في جميع البقاع، ليس هو من زيارة القبور، فأما إذا صلينا عليه وسلمنا عليه في مسجده وغيره من المساجد لم نكن زرنا قبره، ولكن كثير من المتأخرين صاروا يسمون الدخول إلى مسجده مع السلام عليه عند الحجرة زيارة لقبره، وهذه التسمية مبتدعة في الإسلام، ومخالفة للشرع والعقل واللغة، لكن قد شاعت وصارت اصطلاحا لكثير من العلماء، وصار منهم من يقول: زيارة قبره مستحبة بالإجماع، والزيارة المستحبة بالإجماع هي الوصول إلى مسجده والصلاة والسلام عليه فيه وسؤال الوسيلة ونحو ذلك؛ فهذا مشروع بالإجماع في مسجده، فهذه هي الزيارة

(1) [صحيح]. رواه أبو داود في (المناسك، باب زيارة القبور، 2042)، وأحمد في «المسند» (2 / 367)؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: «صحيح الجامع» (7226).
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»