التوسل بالنبي (ص) وجهلة الوهابيون - أبي حامد بن مرزوق - الصفحة ٢٢
حتى يكون شرعا، بل منه ما يكون واجبا أو مندوبا إذا كان مأمورا به أو مرغبا فيه، ومنه ما يكون مكروها أو محرما، ومنه ما يكون مباحا، ولا يكون التعظيم لشئ شركا حتى يقارنه اعتقاد ربوبية ذلك الشئ أو خصيصة من خصائصها له، فكل من عظم شيئا فلا يعتبر في الشرع عابدا له إلا إذا اعتقد فيه ذلك الاعتقاد.
وقد استقر في عقول بني آدم ما داموا على سلامة الفطرة أن من ثبتت له الربوبية فهو للعبادة مستحق، ومن انتفت عنه الربوبية فهو غير مستحق للعبادة، فثبوت الربوبية، واستحقاق العبادة متلازمان فيما شرع الله في شرائعه وفيما وضع في عقول الناس، وعلى أساس اعتقاد الشركة في الربوبية بنى المشركون استحقاق العبادة لمن اعتقدوهم أربابا من دون الله تعالى سبحانه، ومتى انهدم هذا الأساس من نفوسهم تبعه ما بني عليه من استحقاق غيره للعبادة، ولا يسلم المشرك بانفراد الله تعالى باستحقاق العبادة حتى يسلم بانفراده عز وجل بالربوبية، وما دام في نفسه اعتقاد الربوبية لغيره عز وجل استتبع ذلك اعتقاده في هذا الغير الاستحقاق للعبادة، وذلك كان من الواضح عند أولي الألباب إن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر في الوجود وفي الاعتقاد، فمن اعترف بأنه لا رب إلا الله كان معترفا بأنه لا يستحق العبادة غيره، ومن أقر بأنه لا يستحق العبادة غيره كان مذعنا بأنه لا رب سواه، وهذا الثاني هو معنى (لا إله إلا الله) في قلوب جميع المسلمين.
ولذلك نرى القرآن في كثير من المواضع يكتفي بأحدهما عن الآخر، ويرتب اللوازم المستحيلة على انتفاء أي واحد منهما، ليستدل بانتفائها على ثبوته فانظر إلى قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)، وقوله تعالى: (وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) حيث عبر بالإله ولم يعبر بالرب.
وكذلك في الميثاق الأول قال سبحانه: (ألست بربكم) ولم يقل بإلهكم،
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»