واستفاض عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن الملكين يقولان للميت في قبره (من ربك)؟ ويكتفيان بالسؤال عن توحيد الربوبية ويكون جوابه بقوله: (الله ربي) كافيا، ولا يقولان له إنما اعترفت بتوحيد الربوبية وليس توحيد الربوبية كافيا في الإيمان.
وهذا خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول لذلك الجبار (ربي الذي يحيي ويميت)، فيجادله بأنه كذلك يحيي ويميت إلى أن حاجه خليل الله بما يكذب دعوى ربوبيته فتندحض دعوى استحقاقه للعبادة. وفيما حكى الله عن فرعون أنه قال مرة: (ما علمت لكم من إله غيري)، ومرة أخرى: (أنا ربكم الأعلى).
وبالجملة فقد أومأ القرآن العظيم والسنة المستفيضة إلى أن تلازم توحيد الربوبية والألوهية مما قرره رب العالمين، واكتفى سبحانه من عبده بأحدهما عن صاحبه لوجود هذا التلازم، والملائكة المقربون، وفهم الناس هذا التلازم حتى الفراعنة الكافرون، فما هذا الذي يفتريه أولئك المبتدعة الخراصون، فيرمون المسلمين بأنهم قائلون بتوحيد الربوبية دون توحيد العبادة وأنه لا يكفيهم ذلك في إخراجهم من الكفر وإدخالهم في الإسلام حتى تحقن دماؤهم؟ بل يستبيحون ذبح المسلم المسالم لهم وهو يقول: " لا إله إلا الله " ويقولون فيه إنه ما اعترف بتوحيد الألوهية، وإنما يعني توحيد الربوبية وهو غير كاف، فلا يقبلون ما دل عليه صريح كلامه، ويرفضون الاكتفاء بما اكتفى به الله من عبده يوم الميثاق الأول، وارتضته ملائكته حين يسأل العبد في قبره من الاعتراف بتوحيد الربوبية، حيث كان مستلزما لتوحيد الألوهية، وكان التصريح بما يفيد أحدهما تصريحا بما يدل على الآخر، فالناطق بلا إله إلا الله معترف بالتوحيد لله في ألوهيته وربوبيته جميعا، والقائل ربي الله معترف بكلا التوحيدين جميعا.
والآن ألفت نظرك أيها المحقق إلى قوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.) الآية وهي في موضعين من كتاب الله تعالى ولم يقل إلهنا، وقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لمن سأله عن وصية جامعة: (قل ربي الله ثم استقم)، ولم يقل إلهي بكفاية توحيد الربوبية في النجاة والفوز لاستلزامه توحيد الألوهية بشهادة الله رسوله. وإلى قوله تعالى: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو)، وقول