المعنى لا تشد لصلاة في مسجد بدليل ذكر مساجد فلا دلالة فيه على منع شد الرحال لزيارته صلى الله تعالى عليه وسلم أصلا لا في منطوقه ولا في مفهومه، والسفر لزيارة قبره صلى الله تعالى عليه وسلم شئ آخر مستحب باتفاق علماء المسلمين، وتجب عند الشافعية بالنذر، وأئمة المسلمين إنما صرحوا في مناسك الحج بأن زيارة قبره صلى الله تعالى عليه وسلم قصدا واستقلالا من أفضل القربات، ولم يقرنوا بينهما كما لبس في هذا الهراء، فقوله كما يذكره أئمة المسلمين في مناسك الحج، بهتان عليهم.
وقوله في ص 29 منه (والسفر إلى البقاع المعظمة هو من جنس الحج، وثرثر مكررا هذا الهراء)، فالسفر إلى البقاع المعظمة من جنس الحج، والمشركون من أجناس الأمم يحجون إلى آلهتهم كما كانت العرب تحج إلى اللات والعزى ومناة، إلى أن قال:
(ولهذا كانوا تارة يعبدون الله وتارة يعبدون غيره) تلبيس فاسد على كلا المعنيين للحج اللغوي والشرعي، لأن الحج لغة: القصد إلى الشئ مطلقا، وشرعا: قصد بيت الله الحرام لأداء أحد النسكين، فقصد بيت الله للطواف به وتقبيل الحجر الأسود والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة والمشعر الحرام وغير ذلك، تعظيم لهذه المشاعر من حيث إنها وسيلة لتعظيم الله تبارك وتعالى، وقصد المدينة المنورة لزيارته صلى الله عليه وسلم تعظيم لقبره من حيث إن وسيلة للسلام عليه صلى الله تعالى عليه وسلم، وقصد أي مكان من الأمكنة المدفون فيها نبي أو صالح تعظيم للمكان من حيث إنه وسيلة لزيارة المدفون فيه فمنطوق كلامه تعظيم الأمكنة لذاتها وهو فاسد، لأن المقصد في الحج أو الاعتماد هو تعظيم الله تبارك وتعالى بامتثال أمره والكعبة وسائر المشاعر العظام وسائل لتعظيمه تعالى فتعظيمها ليس لذاتها وإنما هو تبع لتعظيم الله تبارك وتعالى، والمقصد في السفر إلى الأمكنة من فيها من الأنبياء والأولياء والأمكنة وسائل له، فتعظيمها ليس لذاتها وإنما هو تبع لتعظيم من دفن فيها، فجعله السفر إلى الأماكن المعظمة من جنس الحج فاسد، وقياسه زوار القبور على المشركين الذين يحجون لآلهتهم فاسد أيضا لأنه في مقابلة النص وهو أمره صلى الله تعالى عليه وسلم بزيارة القبور أمرا مطلقا، ولو كان السفر إليها معصية ومن جنس الحج = كما زعم = للزم أن يكون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قد أوقع أمته في الشرك لأنه لم يبين لهم أن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين معصية وشرك، وللزم أيضا أن يكون تعظيم أعلام دينه تعالى والبدن التي تنحر بمنى أكرم على