تطهير الفؤاد - الشيخ محمد بخيت الحنفي - الصفحة ١٢٣
ليس بعمل صالح وغاية ما يلزم من هذا أن هذا السفر ليس بقربة وإن من اعتقد أنه قربة فقد خالف أبا محمد وأين ذلك من مخالفة الاجماع وأما فساده فلأن أبا محمد إنما تكلم في جواز القصر ومقصوده إثبات الإباحة فإنها كافية فيه فنفي توهم التحريم بحمل الحديث على نفي الفضيلة أي لا يستحب شد الرحال إلى مكان إلا إلى الثلاثة ومع هذا لا بد فيه من تأويل لأن السفر مستحب لطلب العلم وغيره إلى غيرها فالمقصود لا يستحب إليها من حيث هي وقد يكون هناك أمر آخر يقتضي الاستحباب أو الوجوب ولا مانع أن يكون قصد زيارة شخص مخصوص أو أشخاص مما يقتضي الاستحباب ولم يتعرض أبو محمد لذلك لأنه لم يتكلم فيه وإنما تكلم في جواز القصر فاقتصر على ما يكفي فيه وهو إثبات الإباحة (وقوله) وإذا سافر لاعتقاده أنها طاعة كان ذلك محرما بإجماع المسلمين فصار التحريم من الأمر المقطوع به هذا أيضا موهم وفاسد أما إيهامه فلأن كثيرا ممن يسمعه يظن أن هذا كلام مبتدأ ادعى فيه انعقاد الاجماع على التحريم وأن ذلك مقطوع به وكان ابن تيمية أراد ذلك وجعله معطوفا على إلزام الشيخ أبي محمد حتى إذا حوقق فيه يخلص من دركه بجعله معطوفا وليس هذا دأب من يبغي الارشاد بل من يبغي الفساد وأما فساده فلأنا لو سلمنا أن السفر ليس بطاعة بالإجماع فسافر شخص معتقدا أنه طاعة كيف يكون سفره محرما بإجماع المسلمين أو على قول عالم من علماء المسلمين فإن من فعل مباحا معتقدا أنه قربة لا يأثم ولا يوصف ذلك بكونه محرما بل إن كان اعتقاده ذلك لما ظنه دليلا وليس بدليل وقد بذل وسعه في ذلك كان مثابا عليه بمقتضى ظنه وإلا كان جهلا ولا إثم عليه فيه ولا أجر وفعله موصوف بالإباحة على حاله فمن أين يأتي وصفه بالتحريم وإنما يأتي هذا الكلام في المباح إذا فعله على وجه العبادة مع اعتقاده أنه ليس بعبادة فهذا يأثم به ويكون حراما لأنه تقرب إلى الله تعالى بما ليس بقربة عند الله تعالى ولا في ظنه ومن هنا نشأ الغلط في هذه المسألة وهكذا سائر البدع ومن ابتدع عبادة
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»