وما انفرد أحدهم عن صاحبه إلا ببعض أحاديث فكلهم في فلك الشريعة يسبحون كما مر بيانه في الفصول فالعاقل من أقبل على العمل بأقوال جميع الأئمة بانشراح صدر لأنها كلها لا تخرج عن مرتبتي الميزان تخفيف وتشديد اللهم إني أبرأ إليك من كل من اعترض على أقوال الأئمة وأنكر عليهم في الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين * (فصل) * في تضعيف قول من قال إن أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة ضعيفة غالبا إعلم يا أخي أنني طالعت بحمد الله تعالى أدلة المذاهب الأربعة وغيرها لا سيما أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فإني خصصته بمزيد اعتناء وطالعت عليه كتاب تخريج أحاديث كتاب الهداية للحافظ الزيلعي وغيره من كتب الشروح فرأيت أدلته رضي الله عنه وأدلة أصحابه ما بين صحيح أو حسن أو ضعيف كثرت طرقه حتى لحق بالحسن أو الصحيح في صحة الاحتجاج به من ثلاثة طرق وأكثر إلى عشرة وقد احتج جمهور المحدثين بالحديث الضعيف إذا كثرت طرقه وألحقوه بالصحيح تارة وبالحسن أخرى وهذا النوع من الضعيف يوجد كثيرا في كتاب السنن الكبرى للبيهقي التي ألفها بقصد الاحتجاج لأقوال الأئمة وأقوال أصحابهم فإنه إذا لم يجد حديثا صحيحا أو حسنا يستدل به لقول ذلك الإمام أو قول أحد من مقلديه يصير يروي الحديث الضعيف من كذا كذا طريقا ويكتفي بذلك ويقول وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا فبتقدير وجود ضعف في بعض أدلة أقوال الإمام أبي حنيفة وأقوال أصحابه فلا خصوصية له في ذلك بل الأئمة كلهم يشاركونه في ذلك ولولا لوم الأعلى من يستدل بحديث واه بمرة جاء من طريق واحدة وهذا لا يكاد أحد يجده في أدلة أحد من المجتهدين فما منهم أحد استدل بضعيف إلا بشرط مجيئه من عدة طرق وقد قدمنا إني لم أجب عن الإمام أبي حنيفة وغيره بالصدر وحسن الظن كما يفعل ذلك غيري وإنما أجيب عنه بعد التتبع والفحص عن أدلة أقواله وأقوال أصحابه وكتابي المسمى بالمنهج المبين في بيان أدلة مذاهب المجتهدين كافل بذلك فإني جمعت فيه أدلة جميع المذاهب المستعملة والمندرسة قبل دخولي في محبة طريق القوم ووقوفي على عين الشريعة التي يتفرع منها أقوال جميع المجتهدين ومقلديهم وقد من الله تعالى على بمطالعة مسانيد الإمام أبي حنيفة الثلاثة من نسخة صحيحة عليها خطوط الحفاظ آخرهم الحافظ الدمياطي فرأيته لا يروي حديثا إلا عن خيار التابعين العدول الثقات الذين هم من خير القرون بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالأسود وعلقمة وعطاء وعكرمة ومجاهد ومكحول والحسن البصري وأضرابهم رضي الله عنهم أجمعين فكل الرواة الذين بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عدول ثقات أعلام أخيار ليس فيهم كذاب ولا متهم بكذب وناهيك يا أخي بعدالة من ارتضاهم الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه لأن يأخذ عنهم أحكام دينه مع شدة تورعه وتحرزه وشفقته على الأمة المحمدية * وقد بلغنا أنه سئل يوما عن الأسود وعطاء وعلقمة أيهم أفضل فقال والله ما نحن بأهل إن نذكرهم فكيف نفاضل بينهم على أنه ما من راو من رواة المحدثين والمجتهدين كلهم إلا وهو يقبل الجرح كما يقبل التعديل لو أضيف إليه ما عدا الصحابة وكذا التابعون عند بعضهم لعدم العصمة أو الحفظ في بعضهم ولكن لما كان
(٦٦)