علماء المسلمين والوهابيون - عبد الوهاب الشعراني المصري - الصفحة ٦٩
العلماء من جعل الله تعالى على كلامه القبول ومنهم من لم يجعل عليه قبولا فيطعن فيه الناس وها أنا قد أبنت لك عن صحة أدلة مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه وإن جميع ما استدل به لمذهبه أخذه عن خيار التابعين وأنه لا يتصور في سنده شخص منهم بكذب أبدا وإن قيل بضعف شئ من أدلة مذهبه فذلك الضعف إنما هو بالنظر للرواة النازلين عن سنده بعد موته وذلك لا يقدح فيما أخذ به الإمام عند كل من استصحب النظر في الرواة وهو صاعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك تقول في أدلة مذهب أصحابه فلم يستدل أحد منهم بحديث ضعيف فرد لم يأت إلا من طريق واحدة أبدا كما تتبعنا ذلك إنما يستدل أحدهم بحديث صحيح أو حسن أو ضعيف قد كثرت طرقه حتى ارتفع لدرجة الحسن وذلك أمر لا يختص بأصحاب الإمام أبي حنيفة بل يشاركهم فيه جميع المذاهب كلها كما مر إيضاحه فاترك يا أخي التعصب على الإمام أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين وإياك وتقليد الجاهلين بأحواله وما كان عليه من الورع والزهد والاحتياط في الدين فتقول إن أدلته ضعيفة بالتقليد فتحشر مع الخاسرين وتتبع أدلته كما تتبعناها تعرف أن مذهبه رضي الله عنه من أصح المذاهب كبقية مذاهب المجتهدين رضي الله عنهم أجمعين وإن شئت أن يظهر لك صحة مذهبه كالشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب فاسلك طريق أهل الله تعالى على الاخلاص في العلم والعمل حتى تقف على عين الشريعة التي قدمنا ذكرها في أوائل الكتاب فهناك ترى جميع مذاهب العلماء وأتباعهم تتفرع منها وليس مذهب أولى بها من مذهب ولا ترى من أقوال المذاهب قولا واحدا خارجا عن الشريعة فرحم الله تعالى من لزم الأدب مع الأئمة كلهم وأتباعهم فإن الله تعالى جعلهم قدوة للعباد في سائر أقطار الأرض فإنها كلها هدى من الله تعالى ونور وطريق إلى دخول الجنة وعن قريب يقدم عليهم في الآخرة من لزم الأدب معهم وينظر ما يحصل له من الفرح والسرور حين يأخذون بيده ويشفعون فيه ضد ما يحصل لمن أساء معهم الأدب والحمد لله رب العالمين * (فصل) * في بيان ضعف قول من قال إن مذهب الإمام أبي حنيفة أقل المذاهب احتياطا في الدين اعلم يا أخي أن هذا قول متعصب على الإمام رضي الله عنه وليس عند صاحبه ذوق في العلم فإني بحمد الله تتبعت مذهبه فوجدته في غاية الاحتياط والورع لأن الكلام صفة المتكلم وقد أجمع السلف والخلف على كثرة ورع الإمام وكثرة احتياطاته في الدين وخوفه من الله تعالى فلا ينشأ عنه من الأقوال إلا ما كان على شاكلة حاله على أنه ما من إمام إلا وقد شدد في شئ وترك التشديد في شئ آخر توسعة للأمة كما يعرف ذلك من سير مذاهبهم كلها مثل ما سيرناها فبتقدير وجود قلة الاحتياط في شئ من مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فلا خصوصية له في ذلك فامتحن يا أخي ما قلته لك في جميع أبواب الفقه من باب الطهارة إلى آخر الأبواب تعرف صدق قولي لا سيما في الأموال والايضاع فإنه إن احتاط إمام للمشتري قل احتياطه للبائع وإن احتاط إمام لوقوع الطلاق من الزوج قل احتياطه لمن يتزوجها بعده وبالعكس فقد لا يكون الطلاق وقع بذلك اللفظ الذي قاله الحالف وقس على ذلك سائر مسائل الخلاف ثم إن ما سماه هذا المعترض قلة احتياط من
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»