من شهادته له بقوة المناظرة وقوة الحجة والله أعلم وأما ما نقله أبو بكر الآجري عن بعضهم أنه سئل عن مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فقال لا رأي ولا حديث وسئل عن الإمام مالك فقال رأي ضعيف وحديث صحيح وسئل عن إسحاق بن راهويه فقال حديث ضعيف ورأي ضعيف وسئل عن الإمام الشافعي فقال رأي صحيح وحديث صحيح انتهى فهو كلام ظاهره التعصب على الأئمة بإجماع كل منصف إن صح النقل عنه فإن الحس لا يصدق هذا القائل فيما قاله في حق الإمام أبي حنيفة وقد تتبعت بحمد الله أقواله وأقوال أصحابه لما ألفت كتاب أدلة المذاهب فلم أجد قولا من أقواله أو أقوال أتباعه إلا وهو مستند إلى آية أو حديث أو أثر أو إلى مفهوم ذلك أو حديث ضعيف كثرت طرقه أو إلى قياس صحيح على أصل صحيح فمن أراد الوقوف على ذلك فليطالع كتابي المذكور وبالجملة فقد ثبت تعظيم الأئمة المجتهدين له كما تقدم عن الإمام مالك والإمام الشافعي فلا التفات إلى قول غيرهم في حقه وحق أتباعه وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول مرارا يتعين على أتباع الأئمة أن يعظموا كل من مدحه إمامهم لأن إمام المذهب إذا مدح عالما وجب على جميع أتباعه أن يمدحوه تقليدا لإمامهم وأن ينزهوه عن القول في دين الله بالرأي وأن يبالغوا في تعظيمه وتبجيله لأن كل مقلد قد أوجب على نفسه أن يقلد إمامه في كل ما قاله سواء أفهم دليله أم لم يفهمه من غير أن يطالبه بدليل وهذا من جملة ذلك وقد تقدم في فصل الانتقال من مذهب إلى مذهب أنه يحرم على المقلد أن يفاضل بين الأئمة تفضيلا يؤدي إلى التنقيص لأحد منهم مع أن جميع المعترضين على بعض أقوال الإمام رضي الله عنه دونه في العلم بيقين ولا ينبغي لمن هو مقلد أن يعترض على إمام آخر لأن كل واحد تابع أسلوبا إلى أن يصل ذلك إلى عين الشريعة المطهرة التي يتفرع منها قول كل عالم كما مر إيضاحه وكل من ترك التعصب ونظر في أقوال المجتهدين وجدها كالنجوم في السماء ووجد المعترض عليهم كالذي ينظر خيال تلك النجوم على وجه الماء فلا يعرف حقيقتها ولا مدركها فالله تعالى يرزق جميع إخواننا من المقلدين للمذاهب الأدب مع جميع أئمة المذاهب * ومما وقع لي إن شخصا دخل على ممن ينسب إلى العلم وأنا أكتب في مناقب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فنظر فيها وأخرج لي من كمه كراريس وقال لي انظر في هذه فنظرت فيها فرأيت فيها الرد على الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فقلت له ومثلك يفهم كلام الإمام حتى يرد عليه فقال إنما أخذت ذلك من مؤلف للفخر الرازي فقلت له إن الفخر الرازي بالنسبة إلى الإمام أبي حنيفة كطالب العلم أو كآحاد الرعية مع السلطان الأعظم أو كآحاد النجوم مع الشمس وكما حرم العلماء على الرعية الطعن على إمامهم الأعظم إلا بدليل واضح كالشمس فكذلك يحرم على المقلدين الاعتراض والطعن على أئمتهم في الدين إلا بنص واضح لا يحتمل التأويل ثم بتقدير وجود قول من أقوال الإمام أبي حنيفة لم يعرف المعترض دليله فذلك القول من الاجتهاد بيقين فيجب العمل به على مقلده حتى يظهر خلافه وكان بعض العلماء من مشايخ الجامع الأزهر ينكر على ابن أبي زيد القيرواني فقال يوما إن بعض الأطفال يقدر على تأليف مثل رسالته فخرج من الجامع الأزهر فلقيه
(٦٢)