له ثلاثة أحوال أحدها أنه كالنجاسة المغلظة احتياطا لاحتمال أن يكون المكلف ارتكب كبيرة الثاني أنه كالنجاسة المتوسطة لاحتمال أن يكون المكلف ارتكب صغيرة الثالث أنه طاهر في نفسه غير مطهر لغيره لاحتمال أن يكون المكلف ارتكب مكروها أو خلاف الأولى فإن ذلك ليس ذنبا حقيقة لجواز ارتكابه في الجملة وفهم جماعة من مقلديه أن هذه الثلاثة أقوال في حال واحد والحال إنها في أحوال كما ذكرنا بحسب حصر الذنوب الشرعية في ثلاثة أقسام كما ذكرنا ولا يخلو غالب المكلفين أن يرتكب واحدا منها إلا نادرا انتهى وسيأتي بسطه في الجمع بين أقوال العلماء في باب الطهارة إن شاء الله تعالى إذا علمت ذلك فأقول وبالله التوفيق * (فصول في بعض الأجوبة عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه) * * (الفصل الأول في شهادة الأئمة له بغزارة العلم وبيان أن جميع أقواله وأفعاله وعقائده مشيدة بالكتاب والسنة) * إعلم يا أخي أني لم أجب عن الإمام في هذه الفصول بالصدر وإحسان الظن فقط كما فعل بعضهم وإنما أجبت عنه بعد التتبع والفحص في كتب الأدلة كما أوضحت ذلك في خطبة كتاب المنهج المبين في بيان أدلة مذاهب المجتهدين ومذهبه أول المذاهب تدوينا وآخرها انقراضا كما قاله بعض أهل الكشف قد اختاره الله تعالى إماما لدينه وعباده ولم تزل أتباعه في زيادة في كل عصر إلى يوم القيامة لو حبس أحدهم وضرب على أن يخرج عن طريقه ما أجاب فرضى الله عنه وعن أتباعه وعن كل من لزم الأدب معه ومع سائر الأئمة وكان سيدي على الخواص رحمه الله تعالى يقول لو أنصف المقلدون للإمام مالك والإمام الشافعي رضي الله عنهما لم يضعف أحد منهم قولا من أقوال الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه بعد أن سمعوا مدح أئمتهم له أو بلغهم ذلك فقد تقدم عن الإمام مالك أنه كان يقول لو ناظرني أبو حنيفة في أن نصف هذه الأسطوانة ذهب أو فضة لقام بحجته أو كما قال وتقدم عن الإمام الشافعي إنه كان يقول الناس كلهم في الفقه عيال على أبي حنيفة رضي الله عنه انتهى ولو لم يكن من التنويه برفعة مقامه إلا كون الإمام الشافعي ترك القنوت في الصبح لما صلى عند قبره مع أن الشافعي قائل باستحبابه لكان فيه كفاية في لزوم أدب مقلديه معه كما مر انتهى وأما ما قاله الوليد بن مسلم من قوله قال لي مالك بن أنس رحمه الله تعالى أيذكر أبو حنيفة في بلادكم قلت نعم فقال ما ينبغي لبلادكم أن تسكن فقال الحافظ المزني رحمه الله إن الوليد هذا ضعيف انتهى قلت وبتقدير ثبوت ذلك عن الإمام مالك فهو مؤول أي إن كان الإمام أبو حنيفة في بلادكم يذكر أي على وجه الانقياد والاتباع له فلا ينبغي لعالم أن يسكنها الاكتفاء بلادكم بعلم أبي حنيفة واستغناء الناس بسؤاله في جميع أمور دينهم عن سؤال غيره فإذا سكن أحد من العلماء في بلاده صار علمه معطلا عن التعليم فينبغي له الخروج إلى بلاد أخرى تحتاج إليه ليبث علمه في أهلها هذا هو اللائق بفهم كلام الإمام مالك رحمه الله تعالى إن ثبت ذلك عنه لبراءة الأئمة عن الشحناء والبغضاء لبعضهم بعضا ومن حمله على ظاهره فعليه الخروج من ذلك بين يدي الله عز وجل يوم القيامة فإن مثل الإمام مالك لا يقع في تنقيص إمام من الأئمة بقرينة ما تقدم عنه
(٦١)