علماء المسلمين والوهابيون - عبد الوهاب الشعراني المصري - الصفحة ٦٨
وسفيان الثوري أو بين مالك وابن أبي ذئب أو بين أحمد بن صالح والشعبي أو بين أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وهلم جرا إلى زمان الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين بن الصلاح فإنك إن فعلت ذلك خفت عليك الهلاك فإن القوم أئمة أعلام ولأقوالهم محامل ربما لم يفهمها غيرهم فليس لنا إلا الترضي عنهم والسكوت عما جرى بينهم كما نسكت عما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين قال وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول إذا بلغك أن أحدا من الأئمة شدد النكير على أحد من أقرانه فإنما ذلك خوفا على أحد أن يفهم من كلامه خلاف مراده لا سيما علم العقائد فإن الكلام في ذلك أشد وقد اختفى أحمد بن حنبل في دار إسماعيل بن إسحاق السراج وكان الحارث المحاسبي ينام عنده هو وأصحابه فلما صلوا العشاء تذاكروا في الطريق وبكوا فبكى أحمد معهم فلما أصبح قال ما رأيت مثل هؤلاء القوم ولا سمعت في علوم الحقائق شيئا يشبه كلام هذا الرجل ومع هذا فلا أرى لك يا إسماعيل صحبتهم خوفا عليك أن تفهم عنهم غير مرادهم انتهى كلام ابن السبكي فعلم أن كل دليل ورد مناقضا لدليل آخر فليس هو بمناقض حقيقة وإنما هو محمول على حالين من وجوب وندب أو تحريم وكراهة أو أحد الحديثين منسوخ لا بد من ذلك إذا التناقض في كلام الشارع ممنوع كما مر ومن قال إن حديث من مس ذكره فليتوضأ يناقض حديث هل هو إلا بضعة منك فما حقق النظر لأن حديث النقض بمس الفرج خاص بأكابر المؤمنين وحديث هل هو إلا بضعة منك خاص بالعوام كما سيأتي بسطه في توجيه كلام الأئمة إن شاء الله تعالى فإن قيل إذا قلتم بأن أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ليس فيها شئ ضعيف لسلامة الرواة بينة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين من الجرح فما جوابكم عن قول بعض الحفاظ عن شئ من أدلة الإمام أبي حنيفة بأنه ضعيف فالجواب يجب علينا حمل ذلك جزما على الرواة النازلين عن الإمام في السند بعد موته رضي الله عنه إذا رووا ذلك الحديث من طريق غير طريق الإمام إذ كل حديث وجدناه في مسانيد الإمام الثلاثة فهو صحيح لأنه لولا صح عنده ما استدل به ولا يقدح فيه وجود كذاب أو متهم بكذب مثلا في سنده النازل عن الإمام وكفانا صحة لحديث استدلال مجتهد به ثم يجب علينا العمل به ولو لم يروه غيره فتأمل هذه الدقيقة التي نبهتك عليها فلعلك لا تجدها في كلام أحد من المحدثين وإياك أن تبادر إلى تضعيف شئ من أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة إلا بعد أن تطلع مسانيده الثلاثة ولم تجد ذلك الحديث فيها ويحتمل أن يكون مراد القائل في شئ من أدلة مذهب الإمام أنه ضعيف أدلة مذهب أصحابه الذي ولدوه بعده وفهموه من كلامه لجهل هذا بحقيقة المذهب إذ مذهب الإمام حقيقة هو ما قاله ولم يرجع عنه إلى أن مات لا ما فهم من كلامه كما مر أوائل الفصل وهذا الجهل يقع فيه كثير من طلبة العلم فضلا عن غيرهم فيقولون عن مذهب أصحاب الإمام أنه مذهب له مع أن ذلك الإمام ليس له في تلك المسألة كلام وقد عدوا مثل ذلك من قلة الورع في المنطق وسوء التصريف وقالوا من بركة العلم وقوة المعرفة به عز وجل قول إلى قائله على التعيين لينظر العلماء فيه ويكونوا على ثقة في عزوه إليه بخلاف نحو قولهم قال بعض العلماء كذا فإنه عزو ناقص وثم من
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»