علماء المسلمين والوهابيون - عبد الوهاب الشعراني المصري - الصفحة ٦٤
وقال إني أقدم العمل بالكتاب ثم بالسنة ثم بأقضية الصحابة مقدما ما اتفقوا عليه على ما اختلفوا فيه وحينئذ أقيس فقاموا كلهم وقبلوا يده وركبته وقالوا له أنت سيد العلماء فاعف عنا فيما مضى منا من وقيعتنا فيك بغير علم فقال غفر الله لنا ولكم أجمعين قال أبو مطيع ومما كان وقع فيه سفيان أنه قال قد حل أبو حنيفة عرى الإسلام عروة عروة فإياك يا أخي إن أخذت الكلام على ظاهره أن تنقل مثل ذلك عن سفيان بعد أن سمعت رجوعه عن ذلك واعترافه بأن الإمام أبا حنيفة سيد العلماء وطلبه العفو عنه وإن أولت هذا الكلام فلا يحتاج الأمر إلى رجوع ويكون المراد بأنه حل عرى الإسلام أي مشكله مسألة بعد مسألة حتى لم يبق في الإسلام شيئا مشكلا لغزارة فهمه وعلمه ومما كان كتبه الخليفة أبو جعفر المنصور إلى الإمام أبي حنيفة بلغني أنك تقدم القياس على الحديث فقال ليس الأمر كما بلغك يا أمير المؤمنين إنما أعمل أولا بكتاب الله ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بأقضية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ثم بأقضية بقية الصحابة ثم أقيس بعد ذلك إذا اختلفوا وليس بين الله وبين خلقه قرابة انتهى ولعل مراد الإمام بهذا القول إنه لا مراعاة لأحد في دين الله عز وجل دون أحد بل الحق واجب فعله على جميع الخلق والله أعلم بمراده وقد أطال الإمام أبو جعفر الشيزماري الكلام في تبرئة الإمام أبي حنيفة من القياس بغير ضرورة ورد على من نسب الإمام إلى تقديم القياس على النص وقال إنما الرواية الصحيحة عن الإمام تقديم الحديث ثم الآثار ثم يقيس بعد ذلك فلا يقيس إلا بعد أن لم يجد ذلك الحكم في الكتاب والسنة وأقضية الصحابة فهذا هو النقل الصحيح عن الإمام فاعتمده واحم سمعك وبصرك قال ولا خصوصية للإمام أبي حنيفة في القياس بشرطه المذكور بل جميع العلماء يقيسون في مضايق الأحوال إذا لم يجدوا في المسألة نصا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا أقضية الصحابة وكذلك لم يزل مقلدوهم يقيسون إلى وقتنا هذا في كل مسألة لا يجدون فيها نصا من غير نكير فيما بينهم بل جعلوا القياس أحد الأدلة الأربعة فقالوا الكتاب والسنة والإجماع والقياس وقد كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول إذا لم نجد في المسألة دليلا قسناها على غيرها انتهى فمن اعترض على الإمام أبي حنيفة في عمله بالقياس لزمه الاعتراض على الأئمة كلهم لأنهم كلهم يشاركونه في العمل بالقياس عند فقدهم النصوص والإجماع فعلم من جميع ما قررناه أن الإمام لا يقيس أبدا مع وجود النص كما يزعمه بعض المتعصبين عليه وإنما يقيس عند فقد النص وإن وقع إننا وجدنا للمسألة التي قاس فيها نصا من كتاب أو سنة فلا يقدح ذلك فيه لعدم استحضاره ذلك حال القياس ولو أنه استحضره لما احتاج إلى قياس ثم بتقدير وقوعه رضي الله عنه في القياس مع وجود حديث فرد لا يقدح ذلك فيه أيضا فقد قال جماعة من العلماء إن القياس الصحيح على الأصول الصحيحة أقوى من خبر الآحاد الصحيح فكيف بخبر الآحاد الضعيف وقد كان الإمام أبو حنيفة يشترط في الحديث المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العمل به أن يرويه عن ذلك الصحابي جمع أتقياء عن مثلهم وهكذا * واعتقادنا واعتقاد كل منصف في الإمام
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»