الشافعي ترك القنوت لما زار قبره وأدركته صلاة الصبح عنده وقال كيف أقنت بحضرة الإمام وهو لا يقول به وإن الإمام الشافعي إنما فعل ذلك فتحا لباب الأدب مع الأئمة المجتهدين وحملهم في جميع أقوالهم على المحامل الحسنة وعلى أنهم ما قالوا قولا إلا لكونهم اطلعوا على دليله من كلام الشارع صلى الله عليه وسلم فلا ينافي ذلك قول الشافعي فيما تقدم عنه أنه لا حجة لقول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فافهم على أن بعضهم قال إن الشافعي ما فعل ذلك إلا باجتهاد منه فأدى اجتهاده إلى أن الأدب مع الأئمة المجتهدين واجب فقدمه على فعل بعض السنن لما يترتب عليه من توهم القدح فيه والذي نقول به إن الإمام الشافعي رضي الله عنه لم يترك القنوت لمحض الأدب مع الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه مع قول الإمام الشافعي بسنيته حينئذ لما فيه من إساءة الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك شئ قال به لشئ قال به غيره وحاشى الإمام الشافعي رضي الله عنه من ذلك وإنما نقول إن ترك الإمام الشافعي رضي الله عنه القنوت عند زيارة قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه إنما كان لموافقة في اجتهادهما حصلت ذلك الوقت ويكون ذلك من إحدى الكرامات الجليلة المعدودة للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ولا يقدح ذلك في مقام الإمام الشافعي رضي الله عنه مع الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وإنما ذلك فيه رعاية لكمال المقامين على أنه قد نقل عن الإمام الشافعي رضي الله عنه في تعظيم الإمام أبي حنيفة والأدب معه ما فيه مقنع وكفاية لكل ذي لب كما سترى بعضه إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب مرارا وقال بعضهم لا بدع في حملنا ترك القنوت على الأدب المحض لأن الأدب مما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان المتأدب مع أخيه إنما هو متأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابع لشرعه فليتأمل وسيأتي في فصل الأجوبة عن الإمام أبي حنيفة قول الإمام مالك لما سئل عن الإمام أبي حنيفة ما تقولون في رجل لو ناظرني في أن نصف هذه الأسطوانة حجر ونصفها فضة لقام بحجته وكذلك قول الإمام الشافعي الناس كلهم في الفقه عيال على الإمام أبي حنيفة فتأمل يا أخي أدب الأئمة مع بعضهم بعضا واقتد بهم في ذلك وإياك والتعصب لإمامك حمية جاهلية من غير دليل فتخطئ طريق الصواب وأول من يتبرأ منك إمامك يوم القيامة وتقدم قول الإمام الليث للإمام مالك في مسألة أرسلها له من مصر ما حكم الله تعالى في هذه المسألة عندكم وإن الإمام مالك كتب إلى الليث بعد الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد فإنك يا أخي إمام هدى وحكم الله تعالى في هذه المسألة ما قام عندك ا ه فاعلم ذلك والحمد لله رب العالمين * (فصل) * فيما نقل عن الإمام أحمد من ذمه الرأي وتقيد بالكتاب والسنة روى البيهقي عنه أنه كان إذا سئل عن مسألة يقول أولا حد كلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغنا أنه لم يدون له كلاما كبقية المجتهدين خوفا أن يقع في رأى يخالف الشريعة وأن جميع مذهبه إنما هو ملفق من صدور الرجال وبلغنا أنه وضع في الصلاة نحو عشرين مسألة هكذا أخبرني به شيخ الإسلام شهاب الدين الحنبلي الفتوحي رضي الله عنه وبلغنا
(٥٩)