في الفقه على أبي حنيفة رضي الله عنه وقد ضرب بعض أتباعه وحبس ليقلد غيره من الأئمة فلم يفعل وما ذلك والله سدى ولا عبرة بكلام بعض المتعصبين في حق الإمام ولا بقولهم إنه من جملة أهل الرأي بل كلام من يطعن في هذا الإمام عند المحققين يشبه الهذيانات ولو أن هذا الذي طعن في الإمام كان له قدم في معرفة منازع المجتهدين ودقة استنباطاتهم لقدم الإمام أبا حنيفة في ذلك على غالب المجتهدين لخفاء مدركه رضي الله عنه واعلم يا أخي أنني ما بسطت لك الكلام على مناقب الإمام أبي حنيفة أكثر من غيره إلا رحمة بالمتهورين في دينهم من بعض طلبة المذاهب المخالفة له فإنهم ربما وقعوا في تضعيف شئ من أقواله لخفاء مدركه عليهم بخلاف غيره من الأئمة فإن وجوه استنباطاتهم من الكتاب والسنة ظاهرة لغالب طلبة العلم الذين لهم قدم في الفهم ومعرفة المدارك وإذ بان لك تبري الأئمة كلهم من الرأي فاعمل بكل ما تجده من كلام الأئمة بانشراح صدر ولو لم تعرف مدركه فإنه لا يخرج عن إحدى مرتبتي الميزان ولا يخلو أن تكون أنت من أهل مرتبة منهما وإياك والتوقف عن العمل بكلام أحد من الأئمة المجتهدين رضي الله عنهم فإنهم ما وضعوا قولا من أقوالهم إلا بعد المبالغة في الاحتياط لأنفسهم وللأمة ولا تفرق بين أئمة المذاهب بالجهل والتعصب فإن من فرق بين الأئمة فكأنه فرق بين الرسل كما مر بيانه في الفصول قبله وإن تفاوت المقام فإن العلماء ورثة الرسل وعلى مدرجتهم سلكوا في مذاهبهم وكل من اتسع نظره وأشرف على عين الشريعة الأولى وعرف منازع أقوال الأئمة ورآهم كلهم يغترفون أقوالهم من عين الشريعة لم يبق عنده توقف في العمل بقول إمام منهم كائنا من كان بشرطه السابق في الميزان وقد تحققنا بذلك ولله الحمد فليس عندي توقف في العمل برخصة قال بها إمام إذا حصل شرطها أبدا ومن لم يصل إلى هذا المقام من طريق الكشف وجب عليه اعتقاد ذلك في الأئمة من طريق الإيمان والتسليم ومن فهم ما ذكرناه من هذا البيان العظيم لم يبق له عذر في التخلف عن اعتقاده أن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم أبدا ويقال لكل من توقف عن ذلك الاعتقاد أن هؤلاء الأئمة الذين توقفت عن العمل بكلامهم كانوا أعلم منك وأورع بيقين في جميع ما دونوه في كتبهم لأتباعهم وإن ادعيت أنك أعلم منهم نسبك الناس إلى الجنون أو الكذب جحدا وعنادا وقد أفتى علماء سلفك بتلك الأقوال التي تراها أنت ضعيفة ودانوا الله تعالى بها حتى ماتوا فلا يقدح في علمهم وورعهم جهل مثلك بمنازعهم وخفاء مداركهم ومعلوم بل مشاهد أن كل عالم لا يضع في مؤلفه عادة إلا ما تعب في تحريره ووزنه بميزان الأدلة وقواعد الشريعة وحرره تحرير الذهب والجوهر فإياك أن تنقبض نفسك من العمل بقول من أقوالهم إذا لم تعرف منزعه فإنك عامي بالنسبة إليهم والعامي ليس من مرتبته الانكار على العلماء لأنه جاهل بل اعمل يا أخي بجميع أقوال العلماء ولو مرجوحة أو رخصة بشرطها المعروف بين العلماء وشاكل بعضك بعضا وفتش نفسك فربما رأيتها تقع في الكبائر من غل وحسد وكبر ومكر واستهزاء بالناس وغيبة فيهم وأكل حرام فضلا عن الشبهات وغير ذلك من الكبائر فضلا عن الصغائر والمكروهات ومن يقع في مثل ذلك فأين دعواه الورع وصدقه فيه حتى يتورع عن العمل بقول مجتهد لا يعرف دليله ما هذا
(٧٣)