إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وكذلك كان مالك بن أنس رحمه الله تعالى يقول كما سيأتي في الفصل الذي بعده إن شاء الله تعالى وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل قال الخطابي وأصحاب السنن هم حفاظ الحديث والمطلعون عليه كالأئمة المجتهدين وكمل أتباعهم فإنهم هم الذين يفهمون ما تضمنته السنن من الأحكام وسمع الإمام أحمد بن أبي إسحاق السبيعي قائلا يقول إلى متى حديث اشتغلوا بالعلم فقال له الإمام أحمد قم يا كافر لا تدخل علينا أنت بعد اليوم ثم إنه التفت إلى أصحابه به وقال ما قلت أبدا إلا حسد من الناس لا تدخل داري غير هذا الفاسق ا ه فانظر يا أخي كيف وقع من الإمام هذا الزجر العظيم لمن قال إلى متى حديث اشتغلوا بالعلم فكانوا رضي الله عنهم لا يتجرأ أحد منهم أن يخرج عن السنة قيد شبر بل بلغنا إن مغنيا كان يغني للخليفة فقيل له إن مالك بن أنس يقول بتحريم الغناء فقال المغني وهل لمالك وأمثاله أن يحرم في دين ابن عبد المطلب والله يا أمير المؤمنين ما كان التحريم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بوحي من ربه عز وجل وقد قال تعالى لتحكم بين الناس بما أراك الله لم يقل بما رأيت يا محمد فلو كان الدين بالرأي لكان رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى وحي وكان الحق تعالى أمره أن يعمل به بل عاتبه الله تعالى حين حرم على نفسه ما حرم في قصة مارية وقال يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية ا ه فإذا كان هذا كلام المغني في ذلك الزمان في الإمام مالك فكيف كلام غيره من العلماء العاملين في ذلك الزمان وتقييدهم بالكتاب والسنة وما ذكرت لك يا أخي هذه الحكاية عن المغني إلا لأبين لك عدم تجرئ أحد من السلف على الكلام في دين الله بالرأي لتأخذ كلام المجتهدين بالإيمان والتصديق ولو لم تعرف من أين أخذوه واستنبطوه من الكتاب أو السنة ونعتقد أن الإمام مالكا لولا رأى في السنة ما يشهد لتحريم الغناء وسماعه ما أفتى به وكان الإمام حمدان بن سهل رضي الله عنه يقول لو كنت قاضيا لحبست كلا من هذين الرجلين من يطلب الحديث ولا يطلب الفقه أو يطلب الفقه ولا يطلب الحديث ويقول انظروا إلى الأئمة المجتهدين كيف طلبوا الحديث مع الفقه ولم يكتفوا بأحدهما وكان الإمام جعفر الصادق رحمه الله تعالى يقول من أعظم فتنة تكون على الأمة قوم يقيسون في الأمور برأيهم فيحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله ا ه وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول والذي نفس عمر بيده ما قبض الله تعالى روح نبيه صلى الله عليه وسلم ولا رفع الوحي عنه حتى أغني أمته كلهم عن الرأي وكان الشعبي يقول سيجئ قوم يقيسون الأمور برأيهم فينهدم الإسلام بذلك وينثلم وكان وكيع رحمه الله تعالى يقول عليكم باتباع الأئمة المجتهدين والمحدثين فإنهم يكتبون ما لهم وما عليهم بخلاف أهل الأهواء والرأي فإنهم لا يكتبون قط ما عليهم وكان الشعبي وعبد الرحمن بن مهدي يزجران كل من رأياه يتدين بالرأي وينشدان دين النبي محمد مختار * نعم المطية للفتى الآثار لا ترغبن عن الحديث وأهله * فالرأي ليل والحديث نهار
(٥٤)