شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ١١٧
فهذه الإرادة هي المذكورة في مثل قول الناس لمن يفعل القبائح هذا يفعل ما لا يريده الله أي لا يحبه ولا يرضاه ولا يأمر به وأما الإرادة الكونية فهي الإرادة المذكورة في قول المسلمين ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن والفرق ثابت بين إرادة المريد ان يفعل وبين ارادته من غيره ان يفعل فإذا أراد الفاعل أن يفعل فعلا فهذه الإرادة معلقة بفعله وإذا أراد من غيره ان يفعل فعلا فهذه الإرادة لفعل الغير وكلا النوعين معقول للناس والامر يستلزم الإرادة الثانية دون الأولى فالله تعالى إذا أمر العباد بأمر فقد يريد إعانة المأمور على ما امر به وقد لا يريد ذلك وان كان مريدا منه فعله وتحقيق هذا مما يبين فصل النزاع في أمر الله تعالى هل هو مستلزم لإرادته أم لا فهو سبحانه امر الخلق على ألسن رسله عليهم السلام بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم ولكن منهم من أراد أن يخلق فعله فأراد سبحانه أن يخلق ذلك الفعل ويجعله فاعلا له ومنهم من لم يرد ان يخلق فعله فجهة خلقه سبحانه لافعال العباد وغيرها من المخلوقات غير جهة أمره للعبد على وجه البيان لما هو مصلحة للعبد أو مفسدة وهو سبحانه إذ أمر فرعون وأبا لهب وغيرهما بالايمان كان قد بين لهم ما ينفعهم ويصلحهم إذا فعلوه ولا يلزم إذا أمرهم ان يعينهم بل قد يكون في خلقه لهم ذلك الفعل واعانتهم عليه وجد مفسدة من حيث هو فعل له فإنه يخلق ما يخلق لحكمه ولا يلزم إذا كان الفعل المأمور به مصلحة للمأمور إذا فعله أن يكون مصلحة للامر إذا فعله هو أو جعل المأمور فاعلا له فأين جهة الخلق من جهة الامر فالواحد من الناس يأمر غيره وينهاه مريدا النصيحة ومبينا لما ينفعه وان كان مع ذلك لا يريد أن يعينه على ذلك الفعل إذ ليس كل ما كان مصلحتي في أن آمر به غيري وأنصحه يكون مصلحتي في أن أعاونه أنا عليه بل قد تكون مصلحتي
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»