وبين قوله * (فمن نفسك) * قيل قوله * (كل من عند الله) * الخصب والجدب والنصر والهزيمة كلها من عند الله وقوله * (فمن نفسك) * أي ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك كما قال تعالى * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) * يدل على ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قرأ * (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) * وأنا كنبتها عليك والمراد بالحسنة هنا النعمة وبالسيئة البلية في أصح الأقوال وقد قيل الحسنة الطاعة والسيئة المعصية وقيل الحسنة ما أصابه يوم بدر والسيئة ما أصابه يوم أحد والقول الأول شامل لمعنى القول الثالث والمعنى الثاني ليس مرادا دون الأول قطعا ولكن لا منافاة بين أن تكون سيئة العمل وسيئة الجزاء من نفسه مع أن الجميع مقدر فإن المعصية الثانية قد تكون عقوبة الأولى فتكون من سيئات الجزاء مع أنها من سيئات العمل والحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى كما دل على ذلك الكتاب والسنة وليس للقدرية أن يحتجوا بقوله تعالى فمن نفسك فإنهم يقولون إن فعل العبد حسنة كان أو سيئة فهو منه لا من الله والقرآن قد فرق بينهما وهم لا يفرقون ولأنه قال تعالى * (كل من عند الله) * فجعل الحسنات من عند الله كما جعل السيئات من عند الله وهم لا يقولون بذلك في الأعمال بل في الجزاء وقوله بعد هذا * (ما أصابك من حسنة) * و * (من سيئة) * مثل قوله * (وإن تصبهم حسنة) * و * (وإن تصبهم سيئة) * وفرق سبحانه وتعالى بين الحسنات التي هي النعم وبين السيئات التي هي المصائب فجعل هذه من الله وهذه من نفس الإنسان لأن الحسنة مضافة إلى الله إذ هو أحسن بها من كل وجه فما من وجه من أوجهها إلا وهو يقتضي الإضافة اليه وأما السيئة
(٤١١)