شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٤١٢
فهو إنما يخلقها لحكمة وهي باعتبار تلك الحكمة من إحسانه فإن الرب لا يفعل سيئة قط بل فعله كله حسن وخير ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الاستفتاح والخير كله بيدك والشر ليس إليك أي فإنك لا تخلق شرا محضا بل كل ما يخلقه ففيه حكمة هو باعتبارها خير ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس فهذا شر جزئي إضافي فأما شر كلي أو شر مطلق فالرب سبحانه وتعالى منزه عنه وهذا هو الشر الذي ليس اليه ولهذا لا يضاف الشر اليه مفردا قط بل إما أن يدخل في عموم المخلوقات كقوله تعالى * (الله خالق كل شيء) * * (كل من عند الله) * وإما أن يضاف إلى السبب كقوله * (من شر ما خلق) * وإما أن يحذف فاعله كقول الجن * (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) * وليس إذا خلق ما يتأذى به بعض الحيوان لا يكون فيه حكمة بل الله من الرحمة والحكمة لا يقدر قدره إلا الله تعالى وليس إذا وقع في المخلوقات ما هو شر جزئي بالإضافة يكون شرا كليا عاما بل الأمور العامة الكلية لا تكون إلا خيرا أو مصلحة للعباد كالمطر العام وكإرسال رسول عام وهذا مما يقتضي أنه لا يجوز أن يؤد كذابا عليه بالمعجزات التي أيد بها الصادقين فإن هذا شر عام للناس يضلهم فيفسد عليهم دينهم ودنياهم وأخراهم وليس هذا كالملك الظالم والعدو فإن الملك الظالم لا بد أن يدفع الله به من الشر أكثر من ظلمه وقد قيل ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام وإذا قدر كثرة ظلمه فذاك خير في الدين كالمصائب تكون كفارة لذنوبهم ويثابون على الصبر عليه ويرجعون فيه إلى الله ويستغفرونه ويتوبون اليه وكذلك ما يسلط عليهم من العدو ولهذا قد يمكن الله
(٤١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 ... » »»