فمما استدل به على تفضيل الأنبياء على الملائكة أن الله أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم وذلك دليل على تفضيله عليهم ولذلك امتنع إبليس واستكبر وقال * (أرأيتك هذا الذي كرمت علي) * قال الآخرون إن سجود الملائكة كان امتثالا لأمر ربهم وعبادة وانقيادا وطاعة له وتكريما لآدم وتعظيما ولا يلزم من ذلك الأفضلية كما لم يلزم من سجود يعقوب لأبنه عليهما السلام تفضيل ابنه عليه ولا تفضيل الكعبة على بني آدم بسجودهم إليها امتثالا لأمر ربهم وأما امتناع إبليس فإنه عارض النص برأيه وقياسه الفاسد بأنه خير منه وهذه المقدمة الصغرى والكبرى محذوفة تقديرها والفاضل لا يسجد للمفضول وكلتا المقدمتين فاسدة أما الأولى فإن التراب يفوق النار في أكثر صفاته ولهذا خان إبليس عنصره فأبى واستكبر فإن من صفات النار طلب العلو والخفة والطيش والرعونة وإفساد ما تصل اليه ومحقه وإهلاكه وإحراقه ونفع آدم عنصره في التوبة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله والاعتراف وطلب المغفرة فإن من صفات التراب الثبات والسكون والرصانة والتواضع والخضوع والخشوع والتذلل وما دنا منه ينبت ويزكو وينمي ويبارك فيه ضد النار وأما المقدمة الثانية وهي أن الفاضل لا يسجد للمفضول فباطلة فإن السجود طاعة لله وامتثال لأمره ولو أمر الله عباده ان يسجدوا لحجر لوجب عليهم الامتثال والمبادرة ولا يدل ذلك على أن المسجود له أفضل من الساجد وإن كان فيه تكريمه وتعظيمه وإنما يدل على فضله قالوا وقد يكون قوله * (هذا الذي كرمت علي) * بعد طرده لامتناعه عن السجود له لا قبله فينتفي الاستدلال به ومنه أن الملائكة لهم عقول وليست لهم شهوات والأنبياء لهم
(٣٤٠)