ولا يقال إن هذه المسألة نظير غيرها من المسائل المستنبطة من الكتاب والسنة لأن الأدلة هنا متكافئة على ما أشير اليه إن شاء الله تعالى وحملني على بسط الكلام هنا أن بعض الجاهلين يسيئون الأدب بقولهم كان الملك خادما للنبي صلى الله عليه وسلم أو أن بعض الملائكة خدام بني آدم يعنون الملائكة الموكلين بالبشر ونحو ذلك من الألفاظ المخالفة للشرع المجانبة للأدب والتفضيل إذا كان على وجه التنقص أو الحمية والعصبية للجنس لا شك في رده وليس هذه المسألة نظير المفاضلة بين الأنبياء فإن تلك قد وجد فيها نص وهو قوله تعالى * (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) * وقوله تعالى * (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) * وقد تقدم الكلام في ذلك عند قول الشيخ وسيد المرسلين يعني النبي صلى الله عليه وسلم والمعتبر رجحان الدليل ولا يجهر القول لأن بعض أهل الأهواء وافق عليه بعد أن تكون المسالة مختلفا فيها بين أهل السنة وقد كان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول أولا بتفضيل الملائكة على البشر ثم قال بعكسه والظاهر أن القول بالتوقف أحد أقواله والأدلة في هذه المسألة من الجانبين إنما تدل على الفضل لا على الأفضلية ولا نزاع في ذلك وللشيخ تاج الدين الفزاري رحمه الله مصنف سماه الإشارة في البشارة في تفضيل البشر على الملك قال في آخره اعلم أن هذه المسألة من بدع علم الكلام التي لم يتكلم فيها الصدر الأول من الأمة ولا من بعدهم من أعلام الأئمة ولا يتوقف عليها أصل من أصول العقائد ولا يتعلق بها من الأمور الدينية كبير من المقاصد ولهذا خلا عنها طائفة من مصنفات هذا الشأن وامتنع من الكلام فيها جماعة من الأعيان وكل متكلم فيها من علماء الظاهر بعلمه لم يخل كلامه عن ضعف واضطراب انتهى والله الموفق للصواب
(٣٣٩)