من أقسام الممكن الموجود وهذا هو الحق وفي كلام الإمام ما يشعر بأنه عرض وبه صرح جمع كثير من المتكلمين وهو بعيد جدا لأن العرض مالا يتقوم بنفسه بل بمحله المستغني عنه في تقومه ولا يتصور استغناء شيء في تقومه وتحققه عن الوجود ومنها اختلافهم في أنه موجود أو لا فقيل موجود بوجود هو نفسه فلا يتسلسل وقيل بل اعتباري محض لا تحقق له في الأعيان إذ لو وجد فإما أن يوجد بوجود زائد فيتسلسل أو بوجود هو نفسه فلا يكون إطلاق الموجود على الوجود وعلى سائر الأشياء بمعنى واحد لأن معناه في الوجود أنه الوجود وفي غيره أنه ذو الوجود ولأنه إما أن يكون جوهرا فلا يقع صفة للأشياء أو عرضا فيتقوم المحل دونه والتقوم بدون الوجود محال ولأن ما ذكر في زيادة الوجود على الماهية من أنا نعقل الماهية ونشك في وجودها جاز بعينه في وجود الوجود فإنا نعقل الوجود ونشك في وجوده فلو وجد لكان وجوده زائدا وتسلسل وبهذا يتبين بطلان ما ذهب إليه الفلاسفة من أن ماهية الواجب نفس الوجود المجرد وذلك لأنا بعدما نتصور الوجود المجرد نطلب بالبرهان وجوده في الأعيان فيكون وجوده زائدا ويتسلسل ولا محيص إلا بأن الوجود المقول على الوجودات اعتبار عقلي كما سبق وقيل الوجود ليس بموجود ولا معدوم بل واسطة على ما سيأتي ومنها اختلافهم في أن الوجودات الخاصة نفس الماهيات أو زائدة عليها كما سبق ومنها اختلافهم في أن لفظ الوجود مشترك بين مفهومات مختلفة على ما نقل عن الأشعري أو متواطئ يقع على الوجودات بمعنى واحد لا تفاوت فيه أصلا أو مشكك يقع عليها بمعنى واحد هو مفهوم الكون لكن لا على السواء وهو الحق (قال المبحث الثالث الوجود) على مراتب أعلاها الوجود في الأعيان وهو الوجود المتأصل المتفق عليه الذي به تحقق ذات الشيء وحقيقته بل نفس تحققها ثم الوجود في الأذهان وهو وجود غير متأصل بمنزلة الظل للجسم يكون المتحقق به الصورة المطابقة للشيء بمعنى أنها لو تحققت في الخارج لكانت ذلك الشيء كما أن ظل الشجر لوتجسم لكان ذلك الشجر ثم الوجود في العبارة ثم في الكتابة وهما من حيث الإضافة إلى ذات الشيء وحقيقته مجازيان لأن الموجود من زيد في اللفظ صوت موضوع بإزائه وفي الخط نقش موضوع بإزائه اللفظ الدال عليه لا ذات زيد ولا صورته نعم إذا أضيف إلى اللفظ الموضوع بإزائه أو النقش الموضوع بإزاء ذلك اللفظ كان وجودا حقيقيا من قبيل الوجود في الأعيان ولكل لاحق فيما ذكرنا من الترتيب دلالة على السابق فللذهني على العيني وللفظي على الذهني وللخطي على اللفظي فتتحقق ثلاث دلالات أوليها عقلية محضة لا يختلف فيها بحسب اختلاف الأشخاص والأوضاع الدال ولا المدلول إذ بأي لفظ عبر عن السماء فالموجود منها في الخارج هو ذلك الشخص وفي الذهن هو الصورة المعينة المطابقة له والأخريان أعني دلالة اللفظ على الصورة الذهنية ودلالة الخط على اللفظ
(٧٦)