شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٧٩
الذهني ثم إذا كان طريق التعقل واحدا كان تعقل الموجودات أيضا بحصول صورها في العقل وذكر صاحب المواقف أن المرتسم في العقل الفعال إن كان الصور والماهيات الكلية يثبت الوجود الذهني إذ غرضنا إثبات نوع من التميز للمعقولات غيرالتميز بالهوية الذي نسميه بالوجود الخارجي سواء اخترع العقل تلك الصور أو لاحظها من موضع آخر كالعقل الفعال وغيره وفيه نظر لأن غاية ذلك أن يكون للمعقولات تميز عند العقل بالصورة والماهية لكن كون ذلك بحصول الصورة في العقل هو أول المسألة قال تمسك المانعون لما كان مبنى الوجود الذهني على استلزام التعقل إياه اقتصر المانعون على إبطال ذلك وتقريره من وجوه الأول لو كان تصور الشيء مستلزما لحصوله في العقل لزم من تصور الحرارة والبرودة أن يكون الذهن حارا وباردا وهو محال لما فيه من اجتماع الضدين واتصاف العقل بما هو من خواص الأجسام الثاني أنه يلزم أن تحصل السماوات بعظمها في العقل عند تعقلها الكل وفي الخيال عند تخيلها وهو باطل بالضرورة الثالث أنه يلزم من تعقل المعدومات وجودها في الخارج لكونها موجودة في العقل الموجود في الخارج مع القطع بأن الموجود في الموجود في الشيء موجود في ذلك الشيء كالماء الموجود في الكوز الموجود في البيت والجواب أن مبنى الكل على عدم التفرقة بين الوجود المتأصل الذي به الهوية العينية وغير المتأصل الذي به الصورة العقلية فإن المتصف بالحرارة ما تقوم به هوية الحرارة لا صورتها والتضاد إنما هو بين هويتي الحرارة والبرودة لا صورتيهما والذي علم بالضرورة استحالة حصوله في العقل والخيال هو هويات السماوات لا صورها الكلية أو الجزئية والموجود في الموجود في الشيء إنما يكون موجودا في ذلك الشيء إذا كان الوجودان متأصلين ويكون الموجودان هويتين كوجود الماء في الكوز والكوز في البيت بخلاف وجود المعدوم في الذهن الموجود في الخارج فإن الحاصل في الذهن من المعدوم صورة والوجود غير متأصل ومن الذهن في الخارج هوية والوجود متأصل وبالجملة فماهية الشيء أعني صورته العقلية مخالفة لهويته العينية في كثير من اللوازم فإن الأولى كلية ومجردة بخلاف الثانية والثانية مبدأ للآثار بخلاف الأولى ومعنى المطابقة بينهما أن الماهية إذا وجدت في الخارج كانت تلك الهوية والهوية إذا جردت عن العوارض المشخصة واللواحق الغريبة كانت تلك الماهية فلا يرد ما يقال أن الصورة العقلية إن ساوت الصورة الخارجية لزمت المحالاة وإلا لم تكن صورة لها قال المبحث الرابع قد اختلفوا في أن المعدوم هل هو ثابت وشئ أم لا وفي أنه هل بين الموجود والمعدوم واسطة أم لا والمذاهب أربعة حسب الاحتمالات أعني إثبات الأمرين أو نفيهما أو إثبات الأول ونفي الثاني أو بالعكس وذلك أنه إما أن يكون المعدوم ثابتا أو لا وعلى التقديرين إما أن يكون بين الموجود والمعدوم واسطة أو لا والحق نفيهما بناء على أن الوجود يرادف الثبوت والعدم يرادف النفي فكما أن المنفي
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»