شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٦٣
مثلا بخلاف ثبوت الماهية وذاتياتها لها (4) اتحاد المفهوم فإن وجود الإنسان والفرس والشجر مفهوم واحد وهو الكون في الأعيان ومفهوم الإنسان والفرس والشجر مختلف (5) الانفكاك في التعقل فإنا قد نتصور الماهية ولا نتصور كونها أما في الخارج فظاهر وأما في الذهن فلأنا لا نعلم أن التصور هو الوجود في العقل ولو سلم فبالدليل ولو سلم فتصور الشيء لا يستلزم تعقل تصوره ولو سلم فيجوز أن يوجد في الخارج مالا نعقله أصلا وأيضا قد نصدق ثبوت الماهية وذاتياتها لها بمعنى أنها هي هي من غير تصديق بثبوت الوجود العيني أو الذهني لها فأثرنا لفظ ا لتعقل ليعم التصور والتصديق وعبارة الكثيرين أنا نتصور ماهية المثلث ونشك في وجودها العيني والذهني ويرد عليها الاعتراض بأنه لا يفيد المط لأن حاصله أنا ندرك الماهية تصورا ولا ندرك الوجود تصديقا وهذا لا ينافي اتحادهما واعلم أن هذه تنبيهات على بطلان القول بأن المعقول من وجود الشيء هو المعقول من ذلك الشيء فبعضها يدل على ذلك في الواجب والممكن جميعا وبعضها في الممكن مطلقا وبعضها في صور جزئية من الممكنات فلا يرد الاعتراض على بعضها بأنه لا يفيد الزيادة في الواجب والممكن جميعا وعلى بعضها بأنه يختص بصور جزئية من الممكنات والمثال الجزئي لا يصحح القاعدة الكلية وعلى الكل بأنها إنما تفيد تغاير الوجود والماهية بحسب المفهوم دون الهوية قال ومنعت الفلاسفة احتجت الفلاسفة على امتناع زيادة وجود الواجب على ماهيته بوجوه حاصلها أنه لو كان كذلك لزم محالا (1) كون الشيء قابلا وفاعلا وسيجئ بيان استحالته (2) تقدم الشيء بوجوده على وجوده وهو ضروري الاستحالة لا يحتاج إلى ما ذكره الإمام من أنه يفضي إلى وجود الشيء مرتين وإلى التسلسل في الوجودات لأن الوجود المتقدم إن كان نفس الماهية فذاك وإلا عاد الكلام فيه وتسلسل (3) إمكان زوال وجود الواجب وهو ضروري الاستحالة وجه اللزوم أما الأول فلأن الماهية تكون قابلا للوجود من حيث المفروضية وفاعلا له من حيث الاقتضاء وأما الثاني فلأن الوجود يحتاج إلى الماهية احتياج العارض إلى المعروض فيكون ممكنا ضرورة احتياجه إلى الغير فيفتقر إلى علة هي الماهية لا غير لامتناع افتقار وجود الواجب إلى الغير وكل علة فهي متقدمة على معلولها بالضرورة فتكون الماهية متقدمة بالوجود على الوجود وأما الثالث فلأن الوجود إذا كان محتاجا إلى غيره كان ممكنا وكان جائز الزوال نظرا إلى ذاته وإلا لكان واجبا لذاته هذا خلف وإنما قلنا نظرا إلى ذاته دفعا لما قيل لا نسلم أن كل ممكن جائز الزوال وإنما يكون كذلك لو لم يكن واجبا بالغير وأجيب عن الأول بأنا لا نسلم استحالة كون الشيء قابلا وفاعلا وسيجئ الكلام على دليلها وعن الثاني بأنا لا نسلم لزوم تقدم الماهية على الوجود بالوجود وإنما يلزم ذلك لو لزم تقدم العلة على المعلول بالوجود وهو ممنوع ودعوى الضرورة غير مسموعة وإنما الضروري تقدمها بما هي علة به إن كانت بالوجود
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»