شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٧٣
الشعور والإرادة للنبات لأمارات تدل على ذلك مثل ما نشاهد من ميل النخلة الأنثى إلى الذكر وتعشقها به بحيث لو لم تلقح منه لم تثمر وميل عروق الأشجار إلى جهة الماء وميل أغصانها في الصعود من جانب الموانع إلى القضاء ثم ليس هذا ببعيد عن القواعد الفلسفية فإن تباعد الأمزجة عن الاعتدال الحقيقي إنما هو على غاية من التدريج فانتقاص استحقاق الصور الحيوانية وخواصها لا بد أن تبلغ قبل الانتفاء إلى حد الضعف والخفاء وكذا النباتية ولهذا اتفقوا على أن من المعدنيات ما وصل إلى أفق النباتية ومن النباتات ما وصل إلى أفق الحيوانية كالنحلة وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام أكرموا عمتكم النخلة (قال والمراد بالحيوان 9) إشارة إلى دفع ما يورد على حصر الأجناس في الثلاثة حيث يوجد أشياء ليس فيها مبدأ الحس والحركة مع القطع بأنها ليست من النبات أو المعدن كبعض أجزاء الحيوان ومتولداته كالعظم والشعر واللبن والعسل واللؤلؤ والإبريسم وما أشبه ذلك وأشياء لا يطلق عليها اسم النبات والمعدن كالثمار وما يتخذ منها وكالزنجار والسنجرف ونحو ذلك (قال المبحث الأول 7) أقسام المعدني خمسة ذائب منطرق ذائب مشتعل ذائب غير منطرق ولا مشتعل غير ذائب لفرط الرطوبة غير ذائب لفرط اليبوسة فالأول أي الذائب المنطرق هو الجسم الذي انجمد فيه الرطب واليابس بحيث لا تقدر النار على تفريقهما مع بقاء دهنية قوية بسببها يقبل ذلك الجسم الانطراق وهو الاندفاع في العمق بانبساط يعرض للجسم في الطول والعرض قليلا قليلا دون انفصال شيء والذوبان سيلان الجسم بسبب تلازم رطبه ويابسه والمشهور من أنواع الذائب المنطرق سبعة الذهب والفضة والرصاص والأسرب والحديد والنحاس والخارصيني قيل هو جوهر شبيه بالنحاس يتخذ منه مرايا لها خواص وذكر الحازني أنه لا يوجد في عهدنا والذي يتخذ منه المرايا ويسمى بالحديد الصيني والانقنجوش فجوهر مركب من بعض الفلزات وليس بالخارصيني والذوبان في غير الحديد ظاهر وأما في الحديد فيكون بالحيلة على ما يعرفه أرباب الصنعة وشهدت الأمارات بأن مادة الأجساد السبعة هي الزئبق والكبريت واختلاف الأنواع والأصناف عائد إلى اختلاف صفاتهما واختلاطهما وتأثر أحدهما عن الآخر أما الأمارات فهي أنها سيما الرصاص تذوب إلى مثل الزئبق والزئبق ينعقد برائحة الكبريت إلى مثل الرصاص والزئبق يتعلق بهذه الأجساد ثم الزئبق مركب من مائية وكبريتية وامتحان علم الصنعة أيضا يشهد بذلك واعتراض أبي البركات بأنه لو كان كذلك لوجد كل من الزئبق والكبريت في معدن الآخر وفي معادن هذه الأجساد مدفوع بأنه يجوز أن يكون عدم الوجدان لتغيرهما بالامتزاج أو لعدم الإحساس بواسطة تصغر الأجزاء وأما كيفية تكونها فهي أنه إذا كان الزئبق والكبريت صافيين وكان انطباخ أحدهما بالآخر تاما فإن كان الكبريت مع بقائه أبيض غير محترق تكونت الفضة وإن كان أحمر
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 » »»