أن الأبخرة التي تحدث تحت الأرض إن كانت كثيرة وانقلبت مياها انشق منها الأرض فإن كان لها مدد حدث منها العيون الجارية وتجري على الولاء لضرورة عدم الخلاء فإنه كلما جرت تلك المياه انجذب إلى مواضعها هواء أو بخار آخر يتبرد بالبرد الحاصل هناك فينقلب ماء أيضا وهكذا إلا أن يمنع مانع يحدث دفعة أو على التدريج وإن لم يكن لتلك الأبخرة مدد حدثت العيون الراكدة وإن لم تكن الأبخرة كثيرة بحيث تنشق الأرض فإذا أزيل عن وجهها ثقل التراب وصادفت منفذا واندفعت إليه حدث منها القنوات الجارية والآبار بحسب مصادفة المدد وفقدانه وقد يكون سبب العيون والقنوات والآبار مياه الأمطار والثلوج لأنا نجدها تزيد بزيادتها وتنقص بنقصانها (قال ثم أنهم يعترفون 4) يعني أن ما ذكر في الآثار العلوية أي التي فوق الأرض والسفلية أي التي على وجهها وتحتها إنما هو رأي الفلاسفة لا المتكلمين القائلين باستناد جميع ذلك إلى إرادة القادر المختار ومع ذلك فالفلاسفة معترفون بأنها ظنون مبنية على حدس وتجربة يشاهد أمثالها كما يرى في الحمام من تصاعد الأبخرة وانعقادها وتقاطرها وفي البرد الشديد من تكاثف ما يخرج بالأنفاس كالثلج وفي المرايا من اختلاف الصور والألوان وانعكاس الأضواء على الأنحاء المختلفة إلى غير ذلك فهذا وأمثاله من التجارب والمشاهدات يفيد ظن استناد تلك الآثار إلى ما ذكروا من الأسباب وقد ينضم إليها من قرائن الأحوال ما يفيد اليقين الحدسي ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص فيحصل اليقين للبعض دون البعض واعترفوا أيضا بأنه لا يمتنع استنادها إلى أسباب أخر لجواز أن يكون للواحد بالنوع علل متعددة وأن يكون صدوره عن البعض أقليا وعن البعض أكثريا وبأن في جملة ما ذكر من الأسباب ما يحكم الحدس بأنه غير تام السببية بل يفتقر إلى انضمام قوى روحانية لولاها لما كانت كافية في إيجاب ما هي أسبابه فإن من الرياح ما يقلع الأشجار العظام ويختطف المراكب من البحار وإن من الصواعق ما يقع على الجبل فيدكه وعلى البحر فيغوص فيه ويحرق بعض حيواناته وما ينفذ في التخلخل فلا يحرقه ويذيب ما يصادفه الأجسام الكثيفة الصلبة حتى يذيب الذهب الكيس ولا يحرق الكيس إلا ما يحرق عن الذوب ويذيب ضبة الترس ولا يحرق الترس وإن من الكواكب ذوات الأذناب ما يبقى عدة شهور ويكون لها حركات طولية وعرضية إلى غير ذلك من الأمور الغريبة التي لا يكفي فيها ما ذكر من الأسباب المادية والفاعلية بل لا بد من تأثير من القوى الروحانية وقد تواتر في بلاد الترك ونواحي أرس وبلغار من خواص النباتات والأحجار وفي شأن السحب والرياح والأمطار وغير ذلك ما يجزم العقل بأنه ليس صادرا عن النبات والحجر بل عن خالق القوى والقدر وسمعت غير واحد من الثقاة أنهم إذا سافروا في الصيف أصحبوا واحدا من الكفرة
(٣٦٠)