في الشمالية وكونها في القرب أشد شعاعا من كونها في البعد وكون الحرارة اللازمة من الشعاع الأشد أقوى واحد من الحرارة اللازمة من الشعاع الأضعف ولا خفاء في أن شأن الحرارة جذب الرطوبات كما يشاهد في السراج وعلى هذا تنتقل العمارة من الشمال إلى الجنوب وبالعكس بسبب انتقال الأوج من أحدهما إلى الآخر وتكون العمارة دائما حيث أوج الشمس لئلا يجتمع في الصيف قرب الشمس من سمت الرأس وقربها من الأرض فتبلغ الحرارة إلى حد النكاية والإحراق ولا البعدان في الشتاء فيبلغ البرد إلى حد النكاية والتبجيح وقيل السبب كثرة الوهاد والأغوار في ناحية الشمال باتفاق من الأسباب الخارجة فتنحدر المياه إليها بالطبع وتبقى المواضع المرتفعة مكشوفة وقال بعضهم ليس لانكشاف القدر المذكور سبب معلوم غير العناية الأزلية فإن أرادوا بذلك إرادة الله تعالى أن يكون ذلك مستقرا للإنسان وسائر الحيوانات ومادة لما يحتاج إليه من المعادن والنبات فقد دخلوا في زمرة المهتدين حيث جعلوا الصانع عالما بالجزئيات فاعلا بالاختيار لا موجبا بالذات لكنهم يفسرون العناية بالعلم بالنظام على الوجه الأكمل وهو لا يوجب العلم بالجزئي من حيث هو جزئي ولا الفعل بالقصد والاختيار (قال والعمدة في كرية الكل 9) قد اتفق المحققون على أن العناصر كلها كرية الشكل وأن الأرض في الوسط بمعنى أن وضعها من السماء كمركز الكرة عند محيطها وأنها لا تتحرك لا من المركز ولا إليه ولا عليه واستدلوا على ذلك بحسب النظر التعليمي بأدلة مذكورة في كتب الهيئة تفيد الانية وبحسب النظر الطبيعي بما يفيد اللمية على ما ذكر في علم السماء والعالم مثل أن جميع العناصر بل الفلكيات بسائط والشكل الطبيعي للبسيط هو الكرة لأن مقتضى الطبيعة الواحدة لا يختلف وأن الأرض ثقيل مطلق فتكون تحت الكل وهو ما يلي مركز محدد الجهات وإذا كانت في حيزها الطبيعي لم تتحرك عنه ولا إليه وإن في الأرض مبدأ ميل مستقيم على ما يرى في أجزائها فلا يكون فيها مبدأ ميل مستدير لتضاد الميلين فلا تتحرك على المركز كما ذهب إليه البعض من أن ما يظهر من الطلوع والغروب بالحركة اليومية مستند إلى حركة الأرض على مركزها حركة وضعية من المغرب إلى المشرق والكل ضعيف لأنها لا يفيد كونها كذلك في الوجود لأن مقتضى الطبع قد يزول بالقاسر فيجوز أن لا يبقى على الكرية ولا في الوسط وتتحرك على الاستدارة لا بالطبع كالفلك وأما الأدلة التعليمية فكثيرة مذكورة في موضعها بما عليها من الإشكالات مثل استدلالهم على كرية الماء بأنه لو لم يكن كريا ساترا بتقبيبه لأسافل الجبل الشامخ على ساحل البحر لظهر الجبل كله دفعة للسائر في البحر وليس كذلك لأنه يظهر له رأس الجبل أولا ثم ما تحته قليلا قليلا ويتحقق ذلك بأن توقد نيران على مواضع مختلفة من أعلى الجبل إلى أسفله ومثل استدلالهم على كون الأرض في الوسط
(٣٥٥)