شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٥٧
قبل تشكله بشكل القطرات نزل ثلجا أو بعد تشكله بذلك نزل بردا صغيرا مستديرا أن كان من سحاب بعيد لذوبان الزوايا بالحركة والاحتكاك وإلا فكبيرا غير مستدير في الغالب وإنما يكون البرد في هواء ربيعي أو خريفي لفرط التخليل في الصيفي والجمود في الشتوي وقد لا يبلغ البحار المتصاعد الطبقة الزمهريرية فإن كثر صار ضبابا وإن قل وتكاثف ببرد الليل فإن انجمد نزل صقيعا وإلا فطلا فنسبة الصقيع إلى الطل نسبة الثلج إلى المطر وقد يكون السحاب الماطر من بخار كثير يتكاثف بالبرد من غير أن يتصعد إلى الزمهريرية لمانع مثل هبوب الرياح المانعة للأبخرة من التصاعد أو الضاغطة إياها إلى الاجتماع بسبب وقوف جبال قدام الرياح ومثل ثقل الجزء المتقدم وبطاء حركته وقد يكون مع البخار المتصاعد دخان فإذا ارتفعا معا إلى الهواء البارد وانعقد البحار سحابا واحتبس الدخان فيه فإن بقي الدخان على حرارته قصد الصعود وإن برد قصد النزول وكيف كان فإنه يمزق السحاب تمزيقا عنيفا فيحدث من تمزيقه ومصاكته صوت هو الرعد ونارية لطيفة هي البرق أو كثيفة هي الصاعقة وقد يشتعل الدخان الغليظ بالوصول إلى كرة النار كما يشاهد عند وصول دخان سراج منطفىء إلى سراج مشتعل فيسري فيه الاشتعال فيرى كأنه كوكب انقض وهو الشهاب وقد يكون الدخان لغلظه لا يشتعل بل يحترق ويدوم فيه الاحتراق فيبقى على صورة ذوابة أو ذنب أو حية أو حيوان له قرون وربما يقف تحت كوكب ويدور مع النار يدور أن الفلك إياها وربما تظهر فيه علامات هائلة حمر وسود يحسب زيادة غلظ الدخان وإذا لم ينقطع اتصال الدخان من الأرض ونزل اشتعاله إلى الأرض يرى كان تنينا ينزل من السماء إلى الأرض وهو الحريق (قال وقد تتكاثف الأدخنة 2) إشارة إلى أسباب الرياح وذلك أن الأدخنة الكثيرة المتصاعدة قد تتكاثف بالبرد وينكسر حرها بالطبقة الزمهريرية فتثقل وترجع بطبعها فيتموج الهواء فتحدث الريح الباردة وقد لا ينكسر حرها فتصاعد إلى كرة النار ثم ترجع بحركتها التابعة بحركة الفلك فتحدث الريح الحارة وعلى هذا ينبغي أن يحمل ما وقع في المواقف من أنها تصادم الفلك أي تقارنه بحيث يصل إليها أثر حركته وإلا فلا يتصور أن يقطع الدخان مع ما فيه من الأجزاء الأرضية الثقيلة كرة النار مع شدة إحالتها لما يجاورها حتى يصادم الفلك حقيقة وقد يكون تموج الهواء لتخلخل يقع في جانب منه فيدفع ما يجاوره وهكذا إلى أن يفترو بالجملة فالمتموج من الهواء هو الريح بأي سبب يقع وأما الزوبعة والإعصار أعني الريح المستديرة الصاعدة أو الهابطة فسبب الصاعدة تلاقي الريحين من جهتين متقابلتين وسبب الهابطة أن ينفصل ريح من سحابة فيقصد النزول فيعارضها في الطريق سحابة صاعدة فتدافعها لأجزاء الريحية إلى تحت فيقع جزء من الريح بين دافع إلى تحت ودافع إلى فوق فيستدير وتنضغط الأجزاء الأرضية بينهما فتهبط ملتوية والحق أن ما شوهد من أحوال الرياح القالعة للأشجار والمختطفة للسفن من البحار
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»