شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٥١
المعول عليه من أقوال الفلاسفة أنها أربعة النار والهواء والماء والأرض لأن الشواهد الحسية والتجريبية والتأمل في أحوال التركيبات والتحليلات قد دلت على أن الأجسام العنصرية بسايطها ومركباتها لا تخلو عن حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة ولم يوجد في البسايط ما يشتمل على واحدة فقط ولم يمكن اجتماع الأربعة أو الثلاثة لما بين الحرارة والبرودة وبين الرطوبة واليبوسة من التضاد فتعين اجتماع اثنتين من الكيفيات الأربع في كل بسيط عنصري فالجامع بين الحرارة واليبوسة هو النار وبين الحرارة والرطوبة هو الهواء وبين البرودة والرطوبة هو الماء وبين البرودة واليبوسة هو الأرض ومبني ما ذكروا في بيان الحصر على هذه الكيفيات الأربع كما يقال العنصر إما حار أو بارد وكل منهما إما يابس أو رطب أو على لوازمها كما يقال العنصر إما خفيف أو ثقيل وكل منهما إما على الإطلاق أو على الإضافة أو يقال لا بد في تركيب الممتزجات من لطيف أو كثيف فاللطيف إما بحيث يحرق ما يلاقيه وهو النار أو لا وهو الهواء والكثيف إما سيال وهو الماء أو لا وهو الأرض أو يقال لا بد فيه من قبول الأشكال وجمع وتفريق للأجزاء فالعنصر إما قابل للأشكال بسهولة أو بعسر وكل منهما إما أن يكون له قوة جامعة أو مفرقة هذا والتعويل على الاستقراء ولابن سينا في ذلك كلام طويل أورده الإمام في المباحث مع جمل من الاعتراضات عليه ثم قال والحق أن من حاول بيان الحصر للعناصر بتقسيم عقلي فقد حاول ما لا يمكنه الوفاء به نعم الناس لما بحثوا بطريق التركيب والتحليل وجدوا تركيب الكائنات مبتدأ من هذه الأربعة وتحليلها منتهيا إليها ثم لم يجدوا هذه الأربعة متكونة من تركيب أجسام أخر ولا منحلة إليها فلا جرم زعموا أن الاسطقسات هي هذه الأربعة (قال ولم يقو الاشتباه 7) يعني أن للفلاسفة في كمية العناصر اختلافات منهم من جعل العنصر واحدا والبواقي بالاستحالة قيل النار وقيل الهواء وقيل الماء وقيل الأرض وقيل البخار ومنهم من جعله اثنين قيل النار والأرض وقيل الماء والأرض وقيل الهواء والأرض ومنهم من جعله ثلاثة قيل النار والهواء والأرض وإنما الماء هواء متكاثف وقيل الهواء والماء والأرض وإنما النار هواء شديد الحرارة ولم يذكروا لهذه الأقوال شبهة تعارض الاستقراء الصحيح فتدفع ظن كون العناصر أربعة على الكيفيات المذكورة ولم يقو الاشتباء إلا في أمور ثلاثة الأول وجود كرة النار فإنه لا سبيل إلى إثباتها والاستدلال بالشهب زعما منهم أنها دخان غليظ يشتعل بالوصول إلى كرة النار ضعيف لجواز أن يكون لها سبب غير ذلك سيما على القواعد الإسلامية وأن يكون ما يشاهد من الشعل والنيران هواء اشتدت حرارته لا عنصرا برأسه الثاني يبوسة النار بمعنى عسر قبول التشكلات وتركها فإن الطريق إلى أمثال ذلك هو التجرية والمشاهدة ولا مجال لهما في النار الصرفة المحيطة بالهواء على زعمهم وأما المخلوطة التي على وجه الأرض فظاهر
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»