نعم، إن الصحابي قد يفهم من الحديث شيئا غير المقصود الشرعي منه وينقله حسب فهمه له ويستقر في الأذهان ويؤخذ على أنه حكم شرعي يتعبد به وهو عبارة عن فهم الصحابي للحديث.
عن عدي بن حاتم (رضي الله عنه)، قال: " لما نزلت: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت له ذلك فقال: " إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار " (1).
فهذا مثال واحد يدل على أن الصحابة لم يكونوا يفهمون المقصود الشرعي للآيات كما ينبغي، وفي هذا من الخطر على مقاصد الإسلام ما لا تحمد عقباه. فهذا الصحابي لو لم يراجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في معنى الآية لعلم الناس ما فهمه منها وينتشر بين الناس، وربما يصل لنا فهم عدي بن حاتم للآية!
فالسلف الصالح قد لا يصيبون المقصود الشرعي من النص فكيف تريدون لنا أن نفهم الإسلام كفهمهم؟!! وكيف يختارهم الله جميعا ليوصلوا الإسلام للناس وهو يعلم أنهم ربما ينقلون حديثا في العقائد والتشريع بمعناه الذي فهموه وهو ليس المقصود الشرعي منه؟! أليست هذه مشكلة المشاكل أمامنا؟ فالواقع يفرض أن يكون الذي يخلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حمل الدعوة للناس على علم تام بجميع مقاصد الشريعة من كتاب وسنة بحيث يؤديها كما سمع.
يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): " نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " (2). يقول ابن كثير: " ومنع الرواية طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء والأصوليين، وشددوا في ذلك أكثر التشديد