مقدمة في أصول الدين - الشيخ وحيد الخراساني - الصفحة ٥٢٥
المؤمنين (عليه السلام) فألفيناه حين خرج يؤم المسجد فأفضى ونحن معه إلى نفر مبدنين قد أفاضوا في الأحدوثات تفكها، وبعضهم يلهي بعضا، فلما أشرف لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) أسرعوا إليه قياما فسلموا فرد التحية ثم قال: من القوم؟ قالوا: أناس من شيعتك يا أمير المؤمنين؟ فقال لهم خيرا ثم قال: يا هؤلاء ما لي لا أرى فيكم سمة شيعتنا، وحلية أحبتنا أهل البيت؟ فأمسك القوم حياء.
قال نوف: فأقبل عليه جندب والربيع فقالا: ما سمة شيعتكم وصفتهم يا أمير المؤمنين؟ فتثاقل عن جوابهما، وقال: اتقيا الله أيها الرجلان وأحسنا، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
فقال همام بن عبادة وكان عابدا مجتهدا: أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم، وفضلكم تفضيلا إلا أنبأتنا بصفة شيعتكم، فقال:
لا تقسم فسأنبئكم جميعا، وأخذ بيد همام فدخل المسجد فسبح ركعتين أوجزهما وأكملهما وجلس وأقبل علينا، وحف القوم به، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال:
أما بعد فإن الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، خلق خلقه فألزمهم عبادته وكلفهم طاعته، وقسم بينهم معايشهم، ووضعهم في الدنيا بحيث وضعهم، وهو في ذلك غني عنهم، لا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضره معصية من عصاه منهم، لكنه علم تعالى قصورهم عما تصلح عليه شؤونهم، وتستقيم به دهماؤه في عاجلهم وآجلهم، فارتبطهم بإذنه في أمره ونهيه، فأمرهم تخييرا، وكلفهم يسيرا، وأثابهم كثيرا، وأماز سبحانه بعدل حكمه وحكمته بين الموجف من أنامه إلى مرضاته ومحبته، وبين المبطئ عنها والمستظهر على نعمته منهم بمعصيته. فذلك قول الله عز وجل: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم
(٥٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 520 521 522 523 524 525 526 527 528 529 530 ... » »»