مقدمة في أصول الدين - الشيخ وحيد الخراساني - الصفحة ٥٢٣
وعلم عجز كل ما يدعى من دون الله عن خلق ذباب من مادته وصورته، وإفاضة الحياة على مادته الميتة، وما أودع في صنعه من لطائف الحكمة، وتأمل في عجز ما يدعى من دون الله عن استنقاذ ما سلبه هذا المخلوق الضعيف، علم أنه عبد مملوك لا يقدر على شئ، وعلم تفسير قوله تعالى بعد هذه الآية: {ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوى عزيز} (1)، وعلم {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا} (2).
ومن أدرك العبودية الحقيقية يعلم أنها تقتضي حقيقة العبودية، التي توصل العبد إلى العبادة الحقيقية، التي هي منزلة الأحرار عن الرقية لما سوى الله، وهم الذين عبدوا الله شكرا لا خوفا ولا رجاء.
والذين يريدون استكمال نفوسهم لابد لهم من إدراك العبودية الحقيقية، وأداء حقها، وهو تطلبهم في نفوسهم حقيقة العبودية، التي هي مفتاح العلم الذي ليس بالتعلم، وإنما نور يقذفه الله في قلب من يريد الله أن يهديه (3)، وهذا هو مرقاة الكمال التي يصل عباد الله بطي درجاتها إلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ومن هنا قال (عليه السلام): فإن أردت العلم فاطلب حقيقة العبودية.
وليس الغرض من هذه الإشارة تحقيق ما في الحديث من الدقائق، بل الغرض التذكر للتدبر في كلمات أهل بيت العصمة، نسأل الله التوفيق لعبودية الله وعبادته التي هي الغاية من الخلقة، وكفى في مرتبة الواصلين إلى مرتبة العبودية قوله تعالى:

(١) سورة الحج: ٧٤.
(٢) سورة مريم: ٩٣.
(٣) إشارة إلى ما ورد في مشكاة الأنوار ص ٣٢٧.
(٥٢٣)
مفاتيح البحث: سورة الحج (1)، سورة مريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 528 ... » »»