وفي وصيته هذه (عليه السلام) دقائق ولطائف، نشير إلى بعضها:
منها: أن مبدأ الوجود هو الحق ومعاد الوجود إلى الحق، والوسط بين المبدأ والمنتهى وهو صراط الله المستقيم الذي جاء به عبده ورسوله هو الحق، فلا مناص للإنسان إلا من قبول الحق، فإن قبل فالله أولى بالحق، وإن رد فيقضي الله عليه بالحق.
فقد أفاد بهذا البيان أن مسيره (عليه السلام) من الحق للحق إلى الحق، وأن ما يصدر ممن غلب هواه على عقله، إما من الشهوة التي حاصلها الأشر والبطر، وإما من الغضب الذي غايته الإفساد والظلم، والأمة التي وصفها الله سبحانه بقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} (1)، تتبدل بهاتين الآفتين إلى شر الأمم، فلابد من الخروج لطلب الإصلاح، ولا إصلاح إلا بقول وعمل، والقول هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنطاقهما الواسع لكل ما عرفه وأنكره العقل والوحي، والعمل هو سيرة أشرف الأنبياء وسيد الأوصياء صلوات الله عليهما.
* وقال (عليه السلام) لأصحابه: " قد نزل من الأمر ما ترون، وأن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، واستمرأت [واستمرت] حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهي عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله، واني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما " (2).