الطريق الثالث:
إن التطورات الحادثة في المادة والطبيعة دليل على وجود قدرة فائقة عليهما، لأن تأثير المادة والمادي يحتاج إلى وضع ومحاذاة، فمثلا: النار لا تؤثر الحرارة في جسم إلا إذا كان لها نسبة ووضع خاص منه، والمصباح إنما يضئ فضاء يكون على وضع خاص ونسبة خاصة منه.
وحيث يستحيل الوضع والنسبة إلى المعدوم، فلا يمكن تأثير المادة والطبيعة في الموجودات المختلفة المسبوقة بالعدم، فوجود كل ما كان معدوما دليل على وجود قدرة لا يحتاج تأثيرها إلى الوضع والمحاذاة، وتكون ما وراء الأجسام والجسمانيات {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} (1).
الطريق الرابع:
الإيمان بالله تعالى مغروز في فطرة الإنسان، فالإنسان بفطرته يجد نفسه موجودا ضعيفا محتاجا إلى قدرة يستند إليها، وإلى غني يستمد منه، لكن انشغاله بمشاغله المختلفة، وعواطفه تجاه ما يحبه من علائقها، يحجبه عن وجدانه ومعرفته.
ثم عندما يقع في خطر، ويفقد الأمل بكل أسباب النجاة، ويرى كل شعلة فكر خامدة، وكل قدرة عاجزة، تستيقظ فطرته النائمة، ويتجه - بلا اختيار - إلى القادر الغني بالذات الذي يستند إليه ويستمد منه بفطرته.