البلدة، كما يتجلى ما يلاقيه من عقبات كأداء في طريقه قد تحمل أقوى الناس شكيمة على الهزيمة من هذا الميدان. ومن خرج ظافرا ولو بعض الظفر في تسجيل ما قصر فيه التأريخ القديم فإنه يستحق التقدير والإعجاب بل الشكر. وفي هذه العصور الأخيرة عني جماعة بتدارك ما فات السابقين من تأريخ الدينية، ولم تظفر المطابع بنتاجهم على رغم الحاجة إلى مثله، وكأنهم درجوا على نهج السابقين أيضا في إهمال هذا الواجب المقدس، عدا الأستاذ الجليل الشيخ جعفر محبوبة في الجزء الأول من كتابه (ماضي النجف وحاضرها) الذي لم يفتني أن أقول كلمتي عنه حين صدوره، وقد نشرت في مجلة " الاعتدال " الغراء المحتجبة.
وأراني الآن متلهفا لصدور هذا الكتاب الثاني عن تأريخ النجف الذي مكنني الأستاذ " التميمي " من الاطلاع على الجزء الأول منه لأقدمه إلى القراء وكان أول ما واجهني وأعجبني منه تحريه لدقائق التأريخ عن مرقد الإمام " ع " وإن كان فيه من التكرار ما أرجو أن ينخله منه عند تجديد طبعه للمرة الثانية وليست هي بالبعيدة عليه.
وأنه ليستشف القارئ من صفحاته مقدار الجهد المبذول من المؤلف والصبر على التتبع لالتقاط النوادر من تأريخ هذا المرقد المقدس، فلم شعث ما تفرق في الكتب والصحائف المطوية والصحف المنشورة، وألف بين متفرقات ما استوعبته الآثار.
فجاء في مجموعة مجهودا مشكورا وعملا محمودا وسجلا خالدا لكثير من المطويات المعرضة للإهمال والنسيان، شكر الله سعيه وأجزل ثوابه وجعل عمله خالصا لوجهه الكريم، وحقيق بمن تمسك بالعروة الوثقى من خدمة سيد الكونين ورئيس الموحدين وإمام الإلهيين، أن يستلهم من روحه الجبارة، ونفسه العظيمة الطاهرة المؤمنة، ما يجعل منه عاشقا للحقيقة المجردة، وملهما يرنو إلى نور الحق الأبلج ولا بدع لو ينال هذا الكتاب الحظوة لدى كل عالم ومتعلم وأرجو أن يسد الفراغ الذي نحس به في هذا الباب، ويتدارك ما فات الأولين من القيام بهذا الواجب وجدير بأن يقتنيه كل من يتطلع إلى تأريخ هذا البلد المقدس وفقه الله تعالى إلى إكماله، وأرجو لكتابه الرواج والانتشار ليعم الانتفاع به ومن الله تعالى نستمد التأييد والتسديد.
17 جمادى الأولى سنة 1472 ه محمد رضا المظفر