مدينة النجف - محمد علي جعفر التميمي - الصفحة ٥
إلى هذا العهد الحاضر مأوى عظماء العقول، ومعقل رجال التشريع وزعماء الدين ومراجع التقليد، ومصادر الأنوار الإلهية ومصابيح الهداية الربانية مسكنهم في الحياة ومدفنهم عند الممات، وإذا قدر لأحدهم أن يحظى بشرف المثول فيها حيا أوصى أن تنقل إليها رفاته بعد موته تبركا بتربتها وتشرفا بمجاورتها بنيت على أساس من التقى جدرانها، وأقيمت على حساب الدين بيوتها، وأنشئت بالعلم محلاتها، واكتظت بالعلماء المجاورين والمهاجرين طرقاتها، وليس في النجف عائلة من العوائل العراقية - أيا كان نوعها وصلتها - إلا وكان سبب سكناها بالنجف الهجرة العلمية، والنقلة الدينية، فليس فيها بيت يسكن إلا وهو مدرسة لعالم أو مدفن وطلبة العلم فيها وإن كانوا من جنسيات مختلفة يسعون لغاية واحدة مؤتلفة وليس في العالم الشيعي على تباعد أرجائه وتشتيت أنحائه عالم ديني كبير إلا من النجف أو إليها وعواصم الشيعة المختلفة في تأريخهم كالحلة الفيحاء، وحلب السهباء، وبغداد، وسامراء، وقم، وأصفهان، وتبريز وطهران، منها تتجمع وعليها تتفرع ففضلها على تلك المدن كفضل القمر البازغ على النجوم، وحسب الناظر ما فيها من جوامع قدسية حافلة ومدارس دينية آهلة يصعب على المرء تعدادها ويكفي ما فيها من المقابر للعلماء الماضين والمجتهدين الغابرين.
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... تصدير 9 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 ... » »»